في تقديري، إن الأمريكيين لا يتعلمون من تجاربهم التاريخية في التعاملات السياسية؛ لذلك فهم يكررون أخطاءهم مرات ومرات. ولو أنهم اتعظوا من تاريخهم السياسي القريب لما كان لهم أن يقعوا فيما وقعوا فيه. الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر» عاصر ثورة الخميني على الشاه، وباركها ضمنًا على استحياء، حين تخلى عن حليف أمريكا وقتها شاه إيران، وعاد الخميني إلى طهران، وما إن تمكن من السلطة حتى قلب ظهر المجن لكل من حالفوه، سواء التيارات السياسية في الداخل الإيراني من اليسار واليمين، أو الأقليات الاثنية، أو القوى الغربية الخارجية التي مهدت له الطريق كي يتربع على عرش الشاه. خاصم كل من لم (يتأسلم) على طريقته من الطيف السياسي الإيراني، بمن فيهم الذين تحفظوا على فكرة الولي الفقيه من الشيعة الإيرانيين أيضًا، وأعلن عداوته للغرب، وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة، وترك الدهماء المتأسلمين يقتحمون السفارة الأمريكية في طهران، وأسروا أفرادها ضاربًا عرض الحائط بكل الأعراف الدبلوماسية المرعية بين الدول، وأعلن أنه سيصدر ثورته لدول الجوار؛ فدخل حربًا مع العراق، خسرها وانهزم فيها في النهاية؛ فأصبحت المنطقة بسببه مضطربة قلقة حتى الساعة. كان من المفروض أن يأخذ الأمريكيون من الثورة الخمينية عبرة، وأن لا يكرروا خطأهم ثانية في تعاملاتهم مع (المتأسلمين) المسيسين، لا فرق في ذلك بين السنة والشيعة، غير أن الرئيس أوباما - وهو ينتمي للحزب نفسه الذي ينتمي إليه سلفه كارتر - كرر الخطأ نفسه، حين (تخلى) عن حليف أمريكا الرئيس حسني مبارك، فسلّم مصر على طبق من ذهب إلى (المتأسلمين)، لكنهم السنة هذه المرة، وما هي إلا سنة واحدة في السلطة حتى بدؤوا يتخبطون في كل المؤسسات السلطوية الثلاث (مؤسسة الرئاسة، والبرلمان وكادت السلطة القضائية المصرية أن تلتحق بالركب الكارثي لولا ممانعة كبار الوطنيين من أعضائها القضاة)، فاضطر الجيش إلى التدخل وإزاحة ذلك الكابوس المتأسلم عنوة. الإسلام دين وأسلوب حياة، وقضايا السياسة يحكمها في الدولة الإسلامية قاعدة (أينما كانت المصلحة فثم شرع الله)، أي أنها تتماهى وتواكب مصالح الناس في كل زمان ومكان، وهذا التماهي تفرضه متطلبات اللحظة ومقتضيات المصلحة فيها، وليست مقتضيات نصوص ومقولات زمن مضى وانتهى ولم يعد قائمًا؛ فالعبرة بمقصود النص وليس بمنطوق النص. ومن قرأ تاريخ دولة عمر، مرورًا بالدول الإسلامية التي عرفها تاريخ الإسلام، سيتضح أن ما (يدونه) الفقهاء في مدوناتهم شيء، وما كان يجري على الأرض شيء آخر، ما يجري على الأرض هو مراعاة الواقع وما يتلاءم مع معيشة الناس وحياتهم، وما يدون في المدونات الفقهية مجرد نظريات تستلهم مشروعيتها من (الدليل) النظري المحض، لا من متطلبات الواقع وضروراته. وطالما أن الأمريكيين لا يدركون هذه الحقيقة، ويصغون للمتأسلمين الانتهازيين الذين سخروا الدين لمصالحهم فلن تنتهي مآسي المنطقة. والمتأسلمون - بالمناسبة - وسطيوهم ومتشددوهم سواء، فالفعل السياسي من حيث المبدأ لا علاقة له بالدين وإنما علاقته بالمصلحة الدنيوية يدور معها حيث دارت. إلى اللقاء.