كفها التي تشربتْ بالنار فاعتادتها.. تمسح العجينة السمراء الكروية على (تاوة).. مستديرة كاستدارة وجهها المغضن بحمق اللهب والنسيان.. حديدية كذراعها الذي صلَّبه العوز الأخرق.. ملتهبة لهيب النار المتقدة تحتها، بل كالتي تتقد في قلبها المكلوم.. تتربع فوق ثلاث حصوات اتخذت لون الرماد تربع شبابها المقحوم في الكمد.. تطرد الدخان الكاتم الذي يطوف حول رأسها ويسعى مابين فكيها ورئتيها ، كما تطرد في كلٍّ آن، بالتوبيخ، ابنها ليختفي عن عينيها حتى تنهي عملها.. رغم معرفتها بشوقه المستبد في أكل بقايا العجينة الساخن الذي ينضح نصفه.. يأكله بتلذذ إلى جانب كسر خبز (الرقاق) المتساقطة إثر طيه بشكل أنبوب خفيف ليكون وجبة طعامهم الرئيسة، أو مصدر رزقهم. ابنها، ذو الستة خريفٍ، ثبت كجذوع سقف بيتهم الضارب في القدم، بكي بكاء جدرانه الطينية التي ثلمها هجير الإهمال العاتي.. صفق بأبوابه الخشبية التي أكلها عث الزمن الساطي.. فما كان من أبيه المستسلم استسلامه للمرض العضال مؤخراً، إلا أن توسل لطف أمومتها، لتتركه يتربع رفقته، ليأكلا إلى جانبها.. فقالتْ بوجه شابه اللهب: - خله ينقلع، القبيح.. سيغرس عيونه في العجينة.. ويضحك.. ويقول لي بعين قويه: هذه تشبهك!.