فاصلة: ((لا فرق بين مقلد وبهيمة تقاد)) - ابن حزم الأندلسي - لا يمكن أن أتحدث عن ثقافة القطيع أو السلوك القطيعي دون أن أتحدث عن العقل الجمعي الذي يعرفه «دوركهايم» بأنه «يعبّر عن المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة، التي تعمل كقوة على التوحيد داخل المجتمع، مما يخلق تضامناً اجتماعياً آلياً من خلال هذا التصور المشترك والمتشابه للمجتمع»، ويرى «دوركهايم» أنه يوجد ارتباط ذو تأثير متبادل بين العقل الجمعي والأفكار الاجتماعية في الواقع الاجتماعي نتيجة الضغوط التي يمارسها العقل الجمعي على أفراده». ورغم أهمية العقل الجمعي الإيجابي إلا أن تأثير العقل الجمعي السلبي يبرز بشكل أكبر في المجتمعات التي دأبت على تقديس القديم والموروث بدون تفنيده، ويتضح في سلوك القطيع حين يتوقف الإنسان عن أعمال عقله بالتفكير والنقد لما يقرأ أو يسمع. وفي عصرنا الآن حيث نشطت وسائل التواصل الاجتماعي يمكننا بسهولة أن نرى كيف يظهر السلوك القطيعي في نقل الناس للأخبار وتداولها دون أن يتوقف المرسل ليسأل نفسه فقط ما مكون الخبر وما أثره وهل هو خبر مفيد؟ لقد انساق البعض إلى إصمات عقله عن التفكير والتدبر واختار من يكون على هامش الحياة حين سلم عقله للآخرين يقودونه وفق أفكارهم وتصوراتهم فإن ناقشته قال هم يقولون ولم يسأل عقله ماذا يقول؟ هذه السطوة على الإنسان من قبل الجماعة أو ما يسمى بسلوك القطيع تتجلى في قابلية الأفراد إلى الانصياع إلى أفكار وقرارات معينة بغض النظر عن صوابها من خطئها وبالتالي ينتج عنه الانحياز بدون تفكير أو تدقيق في المعلومات. خطورة ذلك تتجلى في سيطرة المرسل على المستقبل للمعلومة بحيث لا يفسح مجالاً لعقله بالتفكير وبالتالي ينساق دون إرادة لتأثير الأفكار والتصورات التي لم يفكر بصحتها أو جدواها في حياته. وهو دليل واضح على أن العبودية لا تتجلى في قيود توضع في اليدين أو جسد في زنزانة إنما العبودية الحقيقة أن يستسلم عقلك فلا تعود تملكه.