استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء المفكر والشاعر الأستاذ محمد العلي متحدثا حول موضوع «موانع نمو المعرفة»، وشهد اللقاء حضورا كثيفا ومتميزا وأثار المحاضر فيه العديد من القضايا المهمة والأساسية المتعلقة بالفكر وتطوره. قبيل بداية الندوة، وكعادة المنتدى في استضافة احدى المؤسسات الإجتماعية أسبوعيا إستعرض الأستاذ جواد المسجن أنشطة وفعاليات مبادرة «ساعة قراءة» التي تهتم بالتشجيع على القراءة في أوساط المجتمع عبر تنظيم فعاليات مختلفة. كما تحدثت الفنانة الفوتغرافية إنعام آل عدنان عن تجربتها في التصوير الضوئي وعن معرضها الذي أقامته في المنتدى على هامش الأمسية. أدار الأمسية الثقافية الأستاذ محمد الشقاق الذي قدم المحاضر بكلمة أدبية راقية استعرض فيها أبرز ملامح فكر الأستاذ العلي معبرا عنه بأنه حلقة وصل بين هذا العالم والآتي، منهل عذب تستسقي منه النفوس العطشى، شجرة مغروسة على ضفة نهر الجمال ذات ثمار يانعة تعشقها القلوب الجائعة، بلبل يتنقل على أغصان الكلام فينشد أنغاما تملأ الجوارح لطفا ورقة.. وأنه حينما تسبر في أغوار فكره تجد فيه حكمة الحكيم وفلسفة المعري وتأملات السباعي وشاعرية المنفلوطي، بيد أنه لم يكن أديبا رومانسيا بل هو أديب واقعي إنفعالي يتأثر بالكلمة ويؤثر في الكلمة فتراه منشطرا بين جمال العبارة وحيرة المعني.. ذاك هو الشاعر والمفكر والمثقف الواعي والأديب الكبير الأستاذ محمد العلي.بدأ المحاضر حديثه بالترحيب بالجمهور الحاشد الذي ملأ القاعة موضحا بأن محاضرته تطمح إلى مقاربة مفهوم المعرفة والعوائق التي تحول دون نموها، وأن المفهوم الذي يقصده من المعرفة هو تحول المفردة اللغوية إلى مفردة تاريخية، ومعرفا المعرفة بأنها مجموعة من الأفكار والمعاني والمعتقدات والمفاهمي والأحكام والتصورات الذهنية التي تتكون لدى الإنسان خلال محاولته فهم الظواهر والأشياء من حوله. وأكد أن الواقع يقول بأن هناك روافد مرئية وغير مرئية شاركت الإنسان في غرس هذه المعارف وأن الإنسان لم يتوصل لها من تلقاء نفسه. وردا على تساؤل طرحه حول صحة أو خطأ المعارف التي وصل لها الإنسان، أجاب بأنه لا أحد يدعي أنها كلها صحيحة وإلا لتوقفت المعرفة عن النمو، مشيرا إلى أن الخطأ مرحلة من مراحل تطور الصحيح، فقد كانت هناك مئات النظريات الصحيحة في وقتها ولكن تطور المعرفة أثبت عدم صحتها. وانتقل بعد ذلك للرد على تساؤل حول طرق اكتشاف هذه الأخطاء فبين أنها تتركز في مقياسين الأول أتخاذ الإنسان كما هو إنسان مقياسا للصحة والخطأ فكل ما يصب في صالحه فهو صائب وما يمس أي جانب من جوانب حياته فهو خاطئ. أما المقياس الثاني فنسبه المحاضر إلى المعرفة ذاتها عبر درجاتها الثلاث وهي الملاحظة والفرضية والتجربة. وأوضح المحاضر أن لكل مجتمع ملاحظته وتجربته وفرضيته، ولذا فقد انتقلت المعرفة من البدائية العشوائية الى العلمية. وتساءل العلي عن ماذا لو وقفت المعرفة عن النمو، كما هي حالتنا الحاضرة في العالم العربي، مجيبا بأن العمل هو محاولة اكتشاف المعوقات لهذا النمو حتى يمكن تجاوزها.وانتقل بعد ذلك للحديث عن معوقات نمو المعرفة ولخصها بعوائق ستة. الأول هو اليقين، وهو كل معرفة لا تقبل الشك ويتجسد ذلك في مظاهر فكرية عديدة أهمها اللغة. وتناول موضوع اتحاد الفكر باللغة فهي المعبرة عن نفسية الناطقين بها وعقليتهم وطباعهم، لينتهي إلى القول بأن اللغة تفرض على الإنسان طريقة التفكير معددا صفات التلازم بين الفكر واللغة كالجماعية والإلزام والإنسانية والتلقائية والترابط والتاريخية. وأكد على اللغة التي تغذي فكرنا ويغذيها هي لغة يقينية ولا بد ان يكون نتيجة لذلك فكرنا يقينيا، واليقين هو جذر المعوقات. العائق الثاني من عوائق نمو المعرفة - كما يراه العلي - هو الايدولوجيا التي عرفها بأنها مجمل التصورات والافكار والمعتقدات وطريقة التفكير لأمة أو طبقة أو فئة إجتماعية أو طائفة دينية، وأن وظيفتها عملية للتأثير على السلوك لا وظيفة نظرية لتقديم المعرفة. وأشار إلى أن سبب تخلف الأمة هو إنعدام الإيدولوجيا كما يراه العروي، والمجتمع الأبوي عند شرابي، والثابت والمتحول عند أدونيس. ويرى المحاضر أن الإنسان كائن إيدولوجي وأن أي فرد لا يستطيع أن يسير إلى الأفضل بدون إيدولوجية تضيئ رؤيته لما حوله. التقليد الذي هو عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول ويفعل معتقدا للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل اعتبره المحاضر أنه العائق الثالث، وهو يولد الذهنية القطيعية في الأفراد. وفي إجابة على من تقع مسئولية ذلك، أورد المحاضر اقتباسا من الفيلسوف كنت بقوله إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو مسئول عنه، قصور عجزه عن استعمال غيره دون إشراف الغير، كن شجاعا في استعمال عقلك... هذا هو شعار لأنوار. العائق الرابع لنمو المعرفة هو الثقافة السائدة، والثقافة هي كل ما يضيفه الإنسان إلى الطبيعة من نظم فكرية وعملية، موضحا أن في كل مجتمع ثقافتان: ثقافة سائدة تتحكم في تفكير المجتمع وفي سلوكه، وثقافة مقاومة تحاول تغيير تلك السائدة. وبين أن الثقافة السائدة بما لها من سلطات سياسية واجتماعية وفقهية وأدت أي حراك للثقافة المقاومة. الاقتصاد باعتباره جذر الثنائيات المتناقضة اعتبره العلي العائق الخامس، مؤكدا على العلاقة بين الإقتصاد والعدالة الإجتماعية التي عرفها بأنها الحالة التي ينتفي فيها الظلم والإستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو كليهما. وأكد على أنه لا توجد عدالة إجتماعية في العالم كله، وخاصة نحن المهددون في الأمن المائي والأمن الغذائي وازدياد البطالة والإنفجار السكاني. أما العائق السادس لنمو المعرفة فعبر عنه الأستاذ محمد العلي بأنه الفهم اللاتاريخي حيث أشار إلى الثقافة النصية التي تنبع منها كل أفكارنا، والتعارض الوارد بين النص والعقل مستشهدا بتجربة المعتزلة الذين استخدموا التأويل إلى أقصاه في علاج أي تعارض للنص مع العقل. كما استشهد بنص للدكتور توفيق السيف يتعلق بتطوير الفهم الديني حيث يؤكد على المسلم أن يكون شريكا في صوغ الفكرة الدينية ونمط التدين المناسب مع حاجة مجتمعه.