هل يمكن أن تتوقف المعرفة عن النمو؟ وفي حال توقفها، ماذا يجب أن نفعل حيال ذلك؟ وما أبرز معوقات نمو المعرفة؟ هذا وعدد من القضايا المتعلِّقة بالفكر وتطوّره هو ما ناقشه المفكر والشاعر محمد العلي عبر محاضرة له بعنوان «موانع نمو المعرفة»، قدمها في منتدى الثلاثاء الثقافي مؤخرًا. حيث تساءل العلي ماذا لو توقفت المعرفة عن النمو، كما حالتنا الراهنة في العالم العربي؟ لافتًا إلى أهمية محاولة اكتشاف معوقات هذا النمو حتَّى يمكن تجاوزها، موضحًا أن محاضرته تطمح إلى مقاربة مفهوم المعرفة والعوائق التي تحول دون نموها، وأن المفهوم الذي يقصده من المعرفة هو تحوَّل المفردة اللغوية إلى مفردة تاريخية. وقد عرف المعرفة بأنها مجموعة من الأفكار والمعاني والمعتقدات والمفاهيم والأحكام والتصوّرات الذهنية التي تتكون لدى الإنسان خلال محاولته فهم الظواهر والأشياء من حوله. وقال: إن الواقع يشي بوجود روافد مرئية وغير مرئية شاركت الإنسان في غرس هذه المعارف وأن الإنسان لم يتوصل لها من تلقاء نفسه. وتابع أنّه لا أحد يدعي أن جميع المعارف صحيحة وإلا لتوقفت المعرفة عن النمو، مشيرًا إلى أن الخطأ مرحلة من مراحل تطوّر الصحيح، فقد كانت هناك مئات النظريات الصحيحة في وقتها ولكن تطوّر المعرفة أثبت عدم صحتها. وحول آلية اكتشاف هذه الأخطاء بيّن أنها تتركز في مقياسين الأول اتِّخاذ الإنسان كما هو إنسان مقياسًا للصحة والخطأ فكل ما يصب في صالحه فهو صائب وما يمس أيّ جانب من جوانب حياته فهو خاطئ. أما المقياس الثاني فهو المعرفة ذاتها عبر درجاتها الثلاث وهي الملاحظة والفرضية والتجربة. وبيَّن أن لكل مجتمع ملاحظته وتجربته وفرضيته، ولذا فقد انتقلت المعرفة من البدائية العشوائية إلى العلميَّة. وعدد معوقات نمو المعرفة: «اليقين، الأيديولوجيا، التقليد، الثقافة السائدة، الاقتصاد، الفهم اللا تاريخي»، معرفًا اليقين بأنَّه كل معرفة لا تقبل الشكّ ويتجسّد ذلك في مظاهر فكرية عديدة أهمها اللغة المعبّرة عن نفسية الناطقين بها وعقليتهم وطباعهم، وخلص إلى أن اللغة تفرض على الإنسان طريقة التفكير. معدِّدًا صفات التلازم بين الفكر واللغة كالجماعية والإلزام والإنسانيَّة والتلقائية والترابط والتاريخية. واصفًا اللغة التي تغذي فكرنا ويغذيها بأنها لغة يقينية ولذلك ففكرنا يقينيًّا، واليقين هو جذر المعوقات.. وعرف الايديولوجيا بأنها مجمل التصورات والأفكار والمعتقدات وطريقة التفكير لأمة أو طبقة أو فئة اجتماعيَّة أو طائفة دينية، وأن وظيفتها عملية للتأثير على السلوك لا وظيفة نظرية لتقديم المعرفة. وأشار إلى أن سبب تخلف الأمة هو انعدام الإيدولوجيا كما يراه العروي، والمجتمع الأبوي عند شرابي، والثابت والمتحول عند أدونيس. وعدّ الإنسان كائنًا إيدولوجيًّا وأن أيّ فرد لا يستطيع أن يسير إلى الأفضل من دون إيديولوجية تضيئ رؤيته لما حوله. وعرف التقليد أنّه عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول ويفعل معتقدًا للحقيقة فيه من غير نظر وتأمّل في الدليل، وهو يولد الذهنية القطيعية في الأفراد. وحول على من تقع مسئولية ذلك، أورد العلي اقتباسا للفيلسوف كانت «إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو مسئول عنه، قصور عجزه عن استعمال غيره دون إشراف الغير، كن شجاعًا في استعمال عقلك». وعرف الثقافة بأنها جميع ما يضيفه الإنسان إلى الطّبيعة من نظم فكرية وعملية، لافتًا إلى أن كل مجتمع يحوي ثقافتين هما: ثقافة سائدة تتحكم في تفكير المجتمع وفي سلوكه، وثقافة مقاومة تحاول تغيير تلك السائدة. وبيَّن أن الثقافة السائدة بما لها من سلطات سياسيَّة واجتماعيَّة وفقهية وأدت أيّ حراك للثقافة المقاومة. وأكَّد على العلاقة بين الاقتصاد والعدالة الاجتماعيَّة التي عرفها بأنها الحالة التي ينتفي فيها الظُّلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو كليهما. وحول الفهم اللا تاريخي أشار إلى الثقافة النصية التي تنبع منها كل أفكارنا، والتعارض الوارد بين النص والعقل مستشهدًا بتجربة المعتزلة الذين استخدموا التأويل إلى أقصاه في علاج أيّ تعارض للنص مع العقل. مؤكِّدًا على ضرورة عدم تقليد الغير والتخلص من الثقافة السائدة وأن دور الإنسان ينبغي أن يكون معللاً ولا يجب عليه أن يتوقف عند حدود نظرة التشاؤم أو التفاؤل فقط، وأن مقاصد الشريعة هي مقاصد إنسانيَّة وتشمل الإصلاح الاجتماعي.