من أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الكاتب الياباني نوتوهارا في كتابه «العرب من وجهة نظر يابانية» أن استقلالية الفرد العربي وخصوصيته واختلافه عن الآخرين، ذائبة تماماً في قالب الجماعة المتشابهة، كتجسيد لفكرة النمط الواحد السائدة. هذه الحالة هي ما يطلق عليه «القطيعية»، التي ضيّقت آفاق الاختلاف في التعاطي مع ما يستجد في حياتنا من أفكار وأحداث، وحيّدت الفرد، وعطلت عقله، واستلبت قراره، ليقف بسلبية أمام المستجدات، منتظراً قائد القطيع ليقرر ويفكر بدلاً عنه، بينما دوره هو لا يتعدى التسليم والامتثال، وإن حاول التعبير أتى تعبيره جافاً فظاً، لأن «القطيعية» عطلت قدرته على استيعاب الرأي الآخر. ثمة نفعيون ما فتئوا يلبسون «القطيعية» لبوس القداسة في أذهان البسطاء، الذين يتعاملون معها بتسليم شبه مطلق، وما عرفوا أنهم ليسوا سوى قناطر اتخذها النفعيون للعبور من ضفة لأخرى. بين فينة وأخرى تنكشف مواقف النفعيين المتناقضة، مبدية سوءاتهم الفكرية، فيطفقون خصفاً عليها بتجييش أتباعهم انطلاقاً من المربع الأول «فكرة تقديس الجماعة»، وهي في حقيقتها «تقديس التبعية»! اليوم، وبفعل «القطيعية» ضاقت المساحة الأفقية للاختلاف، وتحوّلت إلى خلاف يضرب في الأرض عمقاً، بين ضفتين على طرفي نقيض، وبينهما هوّة سحيقة جداً، ابتلعت وستبتلع كل محاولات الإثراء الفكري والثقافي والتعايش بين مكونات المجتمع المختلفة. مواجهة «القطيعية»، تتطلب مشروعاً ثقافياً يتخذ من «الفردانية الفكرية» قاعدة له، ويعيد بعث أداة الفرز التي أرشدنا إليها الإمام مالك من مرقدها: (كلٌ يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر)، فلا أحد يملك الفضيلة المطلقة، والحقيقة المطلقة، والصدق المطلق!