نحمد الله تعالى أن توحّدَ هذا الكيان الكبير بقيادة الزعيم الفذ الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي اتخذ كتاب الله وسُنة نبيه المصطفى دستوراً ومنهجاً للحكم والعدل، وقد واصل أبناؤه وأحفاده الكرام قيادة مسيرة النهضة والتطوير على هذا الأساس العظيم، بدعم وتآزر من شعبهم الوفي، وانتقلوا بوطنهم من نجاح إلى نجاح أعلى، وعالجوا بقرارات صائبة مختلف الأزمات الصعبة التي واجهتها بلادهم. لقد حققت المملكة - بفضل الله - في عهد الملك عبدالله وولي عهده الأمين الأمير سلمان، وفي فترة قياسية (8 سنوات)، تطوراً متميزاً وواسعاً في مختلف المجالات؛ إذ نجحت بتميز في استثمار الأموال الضخمة للغاية لتنفيذ مشاريع تطويرية كبيرة وشاملة، وأعطت تركيزاً قوياً لتوطيد الأمن ودحر الإرهاب وتقوية الدفاع، والتطوير الواسع لقطاع الصناعة البترولية، وكذلك لقطاع التعليم الذي تم رفده بإنشاء (22) جامعة ونحو (50) كلية ومعهداً في مجال التعليم والتدريب التقني، وابتعاث قرابة مئتي ألف طالب لأرقى الجامعات الخارجية، وعملت كذلك على إنجاز قدر هائل من مشاريع البنية الأساسية في جميع أنحاء المملكة، خاصة المدن الكبيرة في مجالات بلدية وصحة وطرق وكهرباء ومياه واتصالات، وإنجاز توسعة عملاقة غير مسبوقة للحرمين الشريفين ومشاعرها وخدماتها، وذلك في الفترة نفسها التي عانت فيها كثير من دول المنطقة وغيرها من ظروف عصيبة، وبعضها دمرتها ومزقتها الحروب، وتدهورت أحوالها بشدة. وبهذا حققت المملكة مرتبة متقدمة ومكانة أكثر تأثيراً على المستوى الدولي، وهذا يؤكده الدور المتصاعد الذي تقوم به المملكة بالتعاون والمشاركة الفعالة في العلاقات الثنائية وفي المؤتمرات والمواقف الجماعية مع الدول الأكثر تقدماً وتأثيراً على المسرح الدولي لمعالجة الأزمات والتطورات الإقليمية والدولية، إضافة إلى عضويتها في أهم التجمعات والمنظمات الاقتصادية الدولية، وكذلك ما تثبته التقارير المنصفة الصادرة من المؤسسات ومراكز البحوث الدولية المرموقة. وتواصل قيادتنا العليا - أيدها الله - بعزيمة قوية وعمل دؤوب جهودها لتحقيق المزيد من التطوير؛ ولذلك فقد أجرت خلال الفترة الماضية تغييرات واسعة في قيادة الجهاز الحكومي، واختارت لها مسؤولين أكفاء بهدف البدء في انطلاقة جديدة شاملة وقوية وأعلى من الإصلاح والتطوير.. وإن هذا يقتضي من كل مسؤول ومواطن مخلص المساهمة بجهد قوي لتحقيق هذا الطموح. ويشرفني تقديم بعض الاقتراحات والمتطلبات الأساسية، راجياً أن تحظى بعناية المسؤولين، وخلاصتها ما يأتي: أولاً: التركيز القوي المستديم على تحقيق مستوى عالٍ من الغايات العليا للمملكة، خاصة: (قوة الثبات على دين وشرع الإسلام الوسط والعادل وقيمه الرشيدة في الشؤون كافة؛ فذلك أعظم أسباب الخير والأمن والفلاح والنصر/ قوة الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية القائمة على الحزم العادل/ قدرات أمنية ودفاعية متفوقة ورادعة للغاية/ التعليم الراقي والاقتصاد الإنتاجي القوي وبجودة عالية/ الرخاء والأمن والحياة الكريمة). ثانياً: إن تحقيق قدر رفيع من هذه الغايات الكبرى يحتم الأخذ والعمل بقوة واستدامة بمقتضى الأسس والشروط العلمية الضرورية لذلك لنقل المملكة خلال (15- 20) عاماً القادمة إلى مستوى رفيع وقوي من التقدم طبقاً للمعايير العالمية. ويحظى هذا الهدف الحيوي باهتمام بالغ من ولاة الأمر الذين يشددون على مضاعفة الجهود لتطوير المملكة، ويخصصون قدراً عظيماً من الأموال والتسهيلات اللازمة لذلك، وهذا يقتضي التطبيق بكفاءة عالية للأسس والمعايير السليمة اللازمة لتحقيق التطوير المنشود، ومن أبرزها ما يأتي: (تحديث وتحديد الرؤية والأهداف والأولويات الخاصة بالقطاعات الحكومية والخاصة كافة/ ترسيخ العمل بالمنهج والأسس العلمية خاصة لعلمَيْ الإدارة والاقتصاد/ تكوين لجنة أو مجلس أعلى في كل وزارة وجهة رئيسية لمساعدة المسؤول الأعلى فيها لأداء المهام بكفاءة عاليه خاصة «التخطيط، التطوير، القرارات الجوهرية ومعالجة القضايا الكبيرة»/ تحقيق درجة عالية من مبادئ «العدل والمساواة وتكافؤ الفرص» بين المواطنين والمناطق/ تفعيل ثقافة القيم الإسلامية الرشيدة والمبادئ العلمية لصياغة بيئة حضارية إيجابية/ تطبيق نظام الحوافز لدفع العاملين للتفاني لرفع كفاءتهم وإنتاجيتهم/ عدم الترقية أو التعيين في الوظائف المهمة إلا لذوي الكفاءة الأفضل/ رفع كفاءة العاملين/ التطوير الرفيع لمراكز الدراسات والأبحاث العلمية كرافد لازم لعملية التطوير/ التحديث والتطبيق الحازم للأنظمة للمجالات كافة لمواكبة التطورات الحديثة). ثالثاً: هناك مصالح عليا وتطورات ومبررات بالغة الأهمية تقتضي الإسراع في اتخاذ ما ترى القيادة العليا أهميته، مما يأتي (التطوير الجوهري لمهام وصلاحيات وأداء مجلس الشورى ومجالس المناطق والمحافظات واختيار الأعضاء بالمفاضلة العلنية من المؤهلين/ إنشاء مركز أعلى للدراسات الاستراتيجية وتفعيل مجلس الأمن الوطني للأهمية البالغة لمهامهما لرصد وتحليل المخاطر الموجهة للمملكة/ إنشاء وزارة مستقلة للصناعة لأهميتها القصوى لتنويع وتقوية اقتصادنا الوطني/ إنشاء وزارة للشباب للقيام بالنشاطات والفعاليات الضرورية لدعم التنشئة الإيجابية للشباب وتنمية مواهبهم وثقافتهم/ إعادة هيكلة أجهزة الدولة وتطوير أدائها جذرياً لتواكب تضخم أعمالها وتعقيدها/ المعالجة الحاسمة لمعضلات «المركزية الشديدة والبيروقراطية المعقدة والمحسوبية الظالمة والفساد المالي» التي تعيق بشدة أداء الأجهزة الحكومية، وتؤدي لهدر الإمكانيات، وتسبب الخلل والتقصير/ رفع الرواتب بالقطاعين العام والخاص وإعانات الضمان الاجتماعي؛ لتتناسب مع تكاليف المعيشة المرتفعة للغاية/ تخفيض الرسوم العالية للخدمات البسيطة كرسوم التأشيرات مثلاً). رابعاً: هناك قضايا ومطالب ملحة جداً؛ تقتضي أهميتها وتداعياتها السلبية الكبيرة التركيز على معالجتها جذرياً وعاجلاً، من أهمها (زيادة بعض ظواهر السلوك والجرائم المخلة بالدين والأمن والمبددة للإمكانيات، كالمخدرات مثلاً/ قضيتا البطالة والإسكان اللتان يعانيهما أعداد مهمة من المواطنين في بلد ثري وواسع المساحة وفيه إمكانيات هائلة للعمل والسكن اللائق/ الضبط العادل للأسعار للحد من الاحتكار والجشع والأسعار الفاحشة للسلع/ العناية الكافية بالفقراء وذوي الظروف الصعبة).