من أجمل التشبيهات البليغة، وأروع الأساليب التي قرأتها، قولُ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة». رواه البخاري ومسلم. ففي هذا الحديث البديع يشبّه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجليس الصالح الذي لا تعدم فائدة من مجالسته على أي حال، يشبهه ببائع المسك الذي إن جالسته لم تندم؛ لأنك مستفيد لا محالة. وشبّه الجليس السوء بالحداد الذي ينفخ في الكير، وهو جلد ينفخ به النار، فإنك إن جالسته ندمت على مجالستك له؛ لما يلحقك من الأذى المحتم، فهو إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشتم منه رائحة كريهة، وكذلك الجليس السوء لا يمكنك أن تسلم منه، فإما أن يصيبك مكروه بما تسمع منه من سب أو شتم أو غيبة أو نميمة، وإما أن يؤذيك في جسدك أو عرضك، أو دينك. ومما يتصل بهذا الحديث العظيم: مسألة نقل الأخبار، وتداول المعلومات؛ فإن الأشخاص الذين تسمع منهم الأخبار، أو الوسائل الإعلامية التي تستقي منها المعلومات، كل ذلك يعد من الجلساء، ومنهم الصالح، ومنهم السيئ: فالسيئ منها، تجده لا يذكر من الأخبار إلا الأخبار السيئة التي تؤذي سمعك، وتؤثر في نفسيتك سواء، من أخبار الفضائح، والمصائب، والكوارث؛ فمن فضائح المشاهير، إلى زنى المحارم، إلى القتل، والسرقة، أو أخبار الخسائر، والتسممات في المطاعم، والحرائق، والحوادث، حتى إنه ليخيل إليك أن الخير قد انعدم من الناس، وأن النور قد زال من الدنيا، نسأل الله السلامة والعافية. فيا أيها الإخوة والأخوات، ويا أيها المشرفون على وسائل الإعلام، تعالوا بنا إلى أن نكون جلساء صالحين، كبائعي المسك، ننقل الأخبار الجيدة، والمعلومات النافعة، التي تعود علينا جميعاً أفراداً وجماعات بالخير والنفع في ديننا ودنيانا، وآخرتنا، فلننقل أخبار الفضيلة فهي أصلنا، ولننقل معلومات عن ديننا وشريعتنا، فالأصل في المسلم أنه داعية إلى الله -تعالى- وإلا فالصمت حكمة وقليل فاعلة. ولنعلم أننا واقفون أمام الله -تعالى- ومحاسبون عن كل ما نقوله، وما تنطق به ألسنتنا، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق.