إن أعظم ما يعين المسلم على تحقيق التقوى، والاستقامة على نهج الحق والهدى، مصاحبة الاخيار، ومصافاة الابرار، والبعد عن قرناء السوء ومخالطة الاشرار. لأن الانسان بحكم طبعه البشري يتأثر بصفيه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله، والمرء انما توزن أخلاقه، وتعرف شمائله باخوانه واصفيائه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل). فلا غرو حينئذ ان يعنى الاسلام بشأن الصحبة والمجالسة ايما عناية، ويوليها بالغ الرعاية، حيث وجه رسول الهدى صلى الله عليه سلم كل فرد من أفراد الامة الى العناية باختيار الجلساء الصالحين، واصطفاء الرفقاء المتقين، فقال عليه الصلاة والسلام (لا تصاحب الا مؤمناً، ولا يأكل طعامك الا تقي). كما ضرب صلى الله عليه وسلم للأمة مثل الجليس الصالح والجليس السوء بشيء محسوس وظاهر، كل يدرك اثره وعاقبته ومقدار نفعه او ضرره. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (انما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك اما يجذيك وإما ان تبتاع منه، واما ان تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك، واما ان تجد منه ريحاً خبيثة). لذا فان من الحزم والرشاد، ورجاحة العقل وحصافة الرأي، الا يجالس المرء الا من يرى في مجالسته ومؤاخاته النفع له في أمر دينه ودنياه، وان خير الاصحاب لصاحبه، وانفع الجلساء على جليسه من كان ذا بر وتقى، ومروءة ونهى، ومكارم أخلاق، ومحاسن آداب، وجميل عوائد، مع صفاء سريرة، ونفس ابية، وهمة عالية، وتكمل صفاته ويجل قدره حين يكون من اهل العلم والادب، والفقه والحكمة، اذ هذه صفات الكمل من الأنام الذين يأنس بهم الجليس، ويسعد بهم الصديق، لاخلاصهم في المودة، واعانتهم على النائبة، وامن جانبهم من كل غائلة، فمن وفق لصحبة من كانت هذه صفاته وأخلاقه، وتلك شمائله وآدابه، فذلك عنوان سعادته، وامارة توفيقه، فليستمسك بغرزه، وليعض عليه بالنواجذ، وليرع له حق الصحبة بالوفاء والصدق معه، وتوقيره واجلاله، ومؤانسته حال سروره، ومواساته حال مصيبته، واعانته عند ضائقته، والتغاضي عن هفواته، والتغافل عن زلاته، اذ السلامة من ذلك أمر متعذر في طبع البشر، حسب المرء فضلاً ان تعد مثالبه ومعائبه. وان شر الاصحاب على صاحبه واسوأهم اثراً على جليسه من ضعفت ديانته وساءت أخلاقه، وخبثت سريرته، ولم تحمد سيرته،، من لا هم له الا في تحقيق مآربه وأهوائه، ونيل شهواته ورغباته، وان كان على حساب دينه ومروءته، ولربما بلغ الحال في بعض هؤلاء ألا يقيم للدين وزناً، ولا للمروءة اعتباراً، ولا يرى للصداقة حقاً، فمؤاخاة هذا وامثاله ضرب من العناء، وسبيل من سبل الشقاء، لما قد يجلبه على صاحبه وجليسه من شر وبلاء بصده عن ذكر الله وطاعته، وتثبيطه عن مكارم الأخلاق ومقتضيات المروءة، وتعويده على بذاءة اللسان والفحش في الكلام، وحمله على ارتكاب أنواع من الفسق والفجور والأخذ به في سبيل اللهو واللعب، وضياع الاوقات فيما يضر ولا ينفع من أنواع الملهيات والمغريات، وتبذير الأموال في صنوف من المحرمات.