قع الزبير إلى الغرب من مدينة البصرة بحوالي ثمانية أميال، وتقع على آثار البصرة القديمة التي أنشأها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة 14ه والزبير على وادي السباع الذي عرف باسم الزبير بعد دفن الزبير بن العوام فيه عام 38ه بعد مقتله في حرب الجمل. أما عن تأسيسه فكان كما يقول مؤلف كتاب الزبير قبل خمسين عاماً يوسف البسام. عام 979ه بعد أن أمر السلطان العثماني سليم بن سليمان الثاني ببناء مسجد باسم الزبير في هذا المكان.. لقد كان الزبير مهوى للكثير من الأسر النجدية من الحاضرة التي دفعتها المنازعات في بلدانها من جهة وما تتعرض له البلاد النجدية من موجات القحط والجفاف إلى الانتقال إلى الزبير لطبيعة موقعه على حدود الصحراء التي تناسبهم، ولقربه من الريف وسواد العراق. فأصبحت الزبير وكأنها إحدى قرى منطقة سدير انتقلت إلى هناك بمبانيها الطينية وأزقتها وعاداتها وتقاليدها.. وقد قصدها حميدان الشويعر وقال عند عودته قصيدته المشهورة التي مطلعها: ظهرت من الحزم اللي به سيد السادات من العشرة حطيت سنام باليمنى ووردت الرقعي من ظهره وسنام هو الجبل الوحيد في صحراء الزبير وأفضل دليل لسالكي تلك المنطقة يقع إلى الجنوب الغربي من الزبير بمسافة 40 كيلاً تقريباً ويرى من مسافات بعيدة، أما الرقعي فكان مورداً وهو الآن بلد عامر من بلداننا على الحدود السعودية الكويتية. والشاعر يقصد الزبير التي غادرها عائداً إلى نجد.. ولما تقلبت الأحوال وحطت الفتن في تلك البلاد ودار الزمان على أهل الزبير بدورته.. كان للملك فيصل رحمه الله موقفه المشهود.. حيث أمر باحتضان أهل الزبير في بلدهم الأصلي ومنحهم الجنسية السعودية. فعاد معظم سكان الزبير إلى حواضر هذه البلاد وإلى قراهم ومدنهم التي انتقلوا منها.. وهكذا تكون مواقف كبار الرجال عند الملمات.. * * * الشيخ محمد بن ناصر الدايل: يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون: آل دايل أسرة نجدية من بطن الوداعين من قبيلة الدواسر. موطنها بلدة جلاجل. وقدم جد المترجم لهما من جلاجل إلى بلد الزبير. اهتم الشيخ محمد بن دايل بطلب العلم فدرس في مدرسة الدويحس بالزبير, وكانت تلك المدرسة في زمنه حافلة بكبار العلماء والفقهاء، فأخذ العلم عن الفرضي محمد بن سلوم وعن المشايخ إبراهيم بن غملاس وعبد العزيز بن شهوان وحبيب الكردي.. فلما نبغ على أيدي هؤلاء العلماء في العلوم الدينية والعربية..قام بمهمة التدريس والوعظ والإرشاد وكتابة العقود والوثائق. كما أصبح إماماً لمسجد الحصي. قال عنه مؤلفا كتاب الزبير، عبد الرزاق الصانع وعبد العزيز العلي عثرنا على عدة وثائق بخطه من عام 1266ه حتى عام 1296ه. قال عنه معاصروه: إن له جهوداً كبيرة في تشجيع طلاب العلم، وفي إمداد الطلبة بالأدوات المدرسية. كما أنه قد ألف كتاباً في تاريخ الكويت ضمنه تراجم لعلمائه وأعيانه، وتطرق فيه لأحوال الزبير. توفي رحمه الله عام 1320ه وقد خلفه ابنه أحمد الجليل القدر كما يقول البسام الذي تخرج من مدرسة الدويحس وقام مقام والده في العلم وفي إمامة مسجد الحصي. الشيخ عبد الرزاق بن محمد الدايل: ولد في بلد الزبير عام 1300ه ونشأ فيه وكان والده عالماً كبيراً فشرع في طلب العلم على يد والده وغيره من علماء وفقهاء الزبير حتى نبغ في العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية ولاسيما الفرائض وحسابها.. بعد ذلك قام بالتدريس فاستفاد منه عدد كبير من أهل الزبير.. ثم قام بتوجيه تلاميذه إلى مدرسة النجاة الأهلية التي أسسها الشيخ محمد الشنقيطي في الزبير فكانوا أوائل طربها.. وكان الشيخ عبد الرزاق أول المناصرين للشنقيطي لافتتاح تلك المدرسة. وقد أصبح من أبرز معلميها في العلوم الدينية والعربية. ثم أصبح الشيخ الدايل عمدة للزبير ومفتياً للبلاد في زمنه. وقد كون له مكتبة ضخمة تضم نفائس المخطوطات والمطبوعات. توفي الشيخ عبد الرزاق الدايل عام 1370ه يقول الشيخ عبد الله البسام: كان الشيخ عبد الرزاق أبو الزبير في زمنه فقد ملك مشاعر الناس بخلقه الطيب وعلمه الواسع، ونفعه العظيم، وقضائه حوائج الناس، ولذا صار لوفاته أثرعميق عند الناس وفي نفوس أهل الزبير، فغلقت المحلات وانزعج الناس، وشيعت جنازته بموكب كبير مهيب، ولم يتخلف عن حضورها أحد.. هذه لمحة موجزة عن عالمين جليلين يرجعان إلى هذه المنطقة المعطاءة منطقة سدير، وهناك العديد من العلماء الذين برزوا في بلد الزبير في العراق من هذه المنطقة،كما درس العديد من طلاب العلم آنذاك من هذه البلاد في مدرسة دويحس بالزبير ومدرسة النجاة.. وقد عاد معظم آل دايل في جملة من عادوا من الزبير إلى بلادهم وجلهم في مدينة الرياض. والله ولي التوفيق.