لفت نظري قبل أيام قليلة في زاوية الصفحة الأخيرة في عدد (الجزيرة) رقم 15229 وتاريخ 11 شعبان 1435ه الموافق 29 يونيو 2014م خبر بعنوان «صبي يعلم أقرانه لفَّ سجائر الحشيش عن بعد» يفيد ذلك الخبر عن (قيام المديرية العامة لمكافحة المخدرات بإدارة الإعلام الجديد بالبحث عن طفلٍ لم يتجاوز ال13 عاماً انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي «باث» وهو يشرح إعداد سجائر من الحشيش المخدر).. وأعترفُ أنَّ مشاعر الأسى والحرقة واللوعة الشديدة - ذات الأثر- قد انتابتْني وأنا أعيد قراءة تلك السطور القليلة بتأمُّلٍ مشوبٍ بعدم التصديق والتعجب؛ لأنَّ تلك اللقطة إنْ كانت صحيحة - وأظنها كذلك - تحملُ في طيّاتها نُذُرَ خطر وتُؤشِّر إلى خللٍ ما، يفرض مواجهته ومعالجته دون إبطاء؛ لأنه يعطي دلالةً واضحةً على تجاوزٍ خطير لحدود المسؤولية وخرْقٍ واضح للشريعة الإسلامية والنظام والاستعلاء عليهما وهو ما يستحقُّ منّا نقاشاً موضوعياً، ويفرض علينا واجب التنبيه، انطلاقاً من الرسالة والدور الذي ينبغي الإعلام أنْ يؤديه ويلتزم به دون تقاعس. ولعلَّ تلك اللقطة تمثِّل مدخلاً مناسباً للحديث عن سيادة النظام الذي نريد أن يُظَلِّلَ حياتنا ويمنع عن البعض تجاوزات البعض الآخر، فبدهيٌّ أنَّ قواعد الاستقرار في أيِّ دولةٍ حديثةٍ ومتحضِّرةٍ لا تترسّخُ إلا بمقدارِ ما تتعزَّزُ فيها سيادة النظام، وبمقدار ما يتعايش فيها الجميع بمساواةٍ وعدالةٍ وحقوقٍ مكفولة لا مجال فيها للاعتداء من أحد، لأنّ ذلك - وحده - يكْفل للمجتمع الطمأنينة والاستقرار والاستمرار. إنَّ النظام في معناه الشامل (عقد اجتماعي)، ونهج يسيُّر حياة الجميع وينظّم أمورهم ويحكم علاقاتهم ببعضهم البعض، ومتى كان النظام محترماً وباسطاً جناح رحمته وعدْله على الجميع دون تمايز، ومُصْلِتاً سيف عقابه على الخارجين عنه والمتجاوزين لضوابطه وحدوده فإنّ ذلك يكفل للحياة استمرارية متصاعدة صوب آفاق الأماني وشواطئ الأمان، ويكفل للجميع الحفاظ على حقوقهم أو نيلها دون عناء أو متاعب، ويؤسس لدولة العدل والنظام قواعدها الراسخة وبنيانها الشامخ الذي لا تعصف به الرياح مهما اشتدت، ولا تزعزعه الأفعال النافرة والأحداث العنيفة مهما اشتدت، ممن ارتضوا لأنفسهم دوماً أنْ يكونوا خارج سرب الجماعة، أو ممَّن هم ليسوا على استعداد للتعايش مع النظام بسلام والالتزام بموجباته وضرورات وجوده. ومهما بدا هذا البعض شارداً وفي وقتٍ من الزمان فإنّه حتماً أمام صرامة التطبيق وشموليته التي لا تقبل التجزؤ أو التفريط أو الاستثناء سيجد نفسه في النهاية وقد انصاع - مكرهاً أم راضياً - للدخول في حمى النظام والتفيؤ بظله والاحتماء بجداره العالي.. وكم سيجد ذلك البعض الناشز خسارته فادحة حين ارتضى لنفسه أن يكون خارجاً عن النظام وشارداً عن سرب الجماعة أو غاوياً عنها.