كنت في حديث مع إخوان لي حول ما تمر به الإنسانية اليوم من اضطراب وتشويه صورة كل أهل دين سماوي ومذهب لدين ومذهب غيرهم، مع الشك فيما دعت إليه الأديان السماوية، وقد أدركنا من الواقع المعاش أن المسلمين هم أكثر من توجه إليهم التهم الظالمة، وتساءل البعض : هل مع هذا العداء السافر سيذوب المسلمون في الآخرين، ويضيعون هويتهم الإسلامية وأصالتهم الدينية أم سيحافظون على كيانهم الديني على الرغم من كل هذه السهام التي توجه إليهم؟! وتبين لنا أن أزمات كبيرة ومتعددة مرت على المسلمين منذ بزوغ شمس الإسلام، ومع ذلك ازداد المؤمنون يقيناً بدينهم وتمسكهم بالعروة الوثقى، والواقع المعاش يؤكد ذلك. * * * ومع أن حضارة العالم الغربي بلغت مبلغاً كبيراً، وبهرت الدنيا باستحداثاتها، واستطاعت أن تحقق للإنسان ما لم يكن يحلم به من صنوف الراحة والرفاهية المادية، إلا أن إسهام أهل الفكر الغربيين في ترسيخ القيم الإيمانية ليس على مستوى الإسهام العلمي. إن هذا التطور ينبغي أن يكون حافزاً لنا نحن المسلمين على الإسهام في هذه الإنجازات الحضارية، لنثبت للعالم أجمع أن ديننا داعِ لإعمار الأرض، وتطوير الحياة والكون بدلاً من السباب العصري والقدح في ذمم الآخرين، لدرجة وصلت بنا إلى التحارب فيما بيننا كما نراه الآن. * * * وتناول حديثنا في تلك الأمسية بعض صور النزاع النفسي عند بعض الناس الذين شغلتهم القضايا المادية وأصابهم الإحباط، ولم يعملوا فكرهم في التأمل في ذات الله وعظيم قدرته، ووصل بهم الأمر إلى التساؤل لماذا وجدوا في هذه الدنيا، وعن طبيعة هذا الكون، وما الصلة بينه وبين الإنسان، وتلا أحدهم أبياتاً من قصيدة لإيليا أبي ماضي التي سماها الطلاسم يرددها أحد معارفه:- جئت.. لا أدري من أين؟ ولكنى أتيتُ. ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت. وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيتُ. كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري؟ إلى آخر هذه الطلاسم.. لكننا رفضنا بإصرار وإجماع هذا الكلام المخالف لحقيقة الدين، وأن الحياة تنتهي إلى فناء حتماً.. وأن الآخرة هي المصير.. ومن أحسن ما قيل رداً على هذه الطلاسم قصيدة (فك الطلاسم) من شعر (ربيع السعيد عبد الحليم) الطبيب المشهور يرد فيها على ما قاله إيليا أبي ماضي من شكوك يقول : جئت دنياي وأدري، عن يقين، كيف جئتُ جئت دنياي لأمر، من هدى الآي، جلوت ولقد أبصرت قدامي دليلاً فاهتديت ليت شعري! كيف ضل القوم عنه؟! ليت شعري ! * * * ليس سراً ذا خفاء أمر دنياك الوجود كل ما في الكون إبداع إلى الله يقود كائنات البر والبحر على الخلق شهود ليت شعري ! كيف ضل القوم رشداً؟! ليت شعري! * * * إنها قصيدة طويلة يختتمها بقوله: أيها الحيران عد حراً طليقاً في سرور فك قيداً من شكوك، من خضوع للغرور عش سعيداً في رياض من يقين بالنشور كم دليل مثل ضوء الشمس يهدي!! ليت شعري! * * * أيها الحيران قم فجراً ترى موكب نور هاتف الأعماق يدعوك لرحمن شكور قم، وطاوع، عائداً للحق، لله الغفور قابل التوب ينادي! هل تلبي؟! ليت شعري! * * * أنا لا أغفل شيئاً من حياتي الماضية أنا لا أنكر شيئاً من حياتي الآتية لي ذات هي روحي وهي دوماً باقية ومقري، بعد موت، دار خلد أنا أدري * * * ليت إيليا أبا ماضي سمعها قبل موته.. ربما كان عاد إلى صوابه.. فقد عاش عمره كله في أزمة إنسانية، وليت هؤلاء الذين بهرونا باختراعاتهم المادية صرفوا جزءاً من فكرهم للتأمل في ذات الله وقدرته، وأنه هو الذي أعطاهم مواهبهم التي يتباهون بها، ونحن المؤمنين نؤمن بأن كل شيء من الله وإليه وننكر مقولة (اخترع فلان كذا) لأن الصواب عندنا وفي الحقيقة هو (هداه الله إلى اختراع كذا...). * * * وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدَنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.