من أشهر قصص الطعام الشيقة قصة شرائح البطاطس الرقيقة التي تُسمى شيبس، والتي ظهرت للعالم عام 1853م. وهذه الأكلة لم تكن نتاجاً لعقلية «طبخية» عبقرية، وإنما نبعت من رغبة رجل في الانتقام! ذلك أن الطباخ جورج كروم كان يخدم الزبائن كالعادة في مطعمه في نيويورك حتى اشتكى أحدهم أن البطاطس المقلية التي قُدِّمَت له رقيقة جداً، فنظر إليها جورج وظن أن الزبون يبالغ بشدة في شكوىً لا مبرر لها وأن البطاطس لم تكن رقيقة كما يزعم الرجل، فوعد زبونه أن يستبدل الطبق، ورجع جورج إلى المطبخ وأخذ قطعة بطاطس وقطعها هذه المرة إلى قطع رقيقة جداً لم تُقطع البطاطس مثلها من قبل! كان هذا انتقام جورج من الزبون المُزعِج، ووضع جورج الطبق أمامه وعلى وجهه نظرات الشماتة، ولما أكل منها الزبون أعجبته بشدة! وأخذ يكيل المديح لهذا الطبق اللذيذ وطابخه المُبدع والذي زالت منه الشماتة وتحولت إلى دهشة تامة، وبعدها قدّم جورج هذا الطبق لزبائن آخرين ولقي نجاحاً فائقاً. إن أصول الطعام التي نأكله تحمل أحياناً قصصاً وتواريخ لا يتوقعها المرء، فأعتقد أن كل من نذكر له كلمة «كروسان» سيسيل لعابه، وسيتذكر تلك الفطيرة الزبدية ذات الشكل الفريد التي تُحشى أحياناً بالجبن أو الشوكولا ويأكلها البعض إما كإفطار وإما كشيء خفيف بين الوجبات، والكلمة فرنسية الأصل وتعني «هلال» إشارة إلى الشكل المميز للفطيرة، غير أن الفطيرة لم تكن دائماً فرنسية، فقبل «كروسان» كانت تُعرف باسم «كيبفل» وهي كلمة ألمانية، وتحوَّل المسمى من كيبفل إلى كروسان عام 1770م عندما وصلت الأميرة النمساوية ذات الخمسة عشر عاماً ماري انطوانيت إلى باريس لتتزوج الأمير الفرنسي لويس السادس عشر، وهذا الأمير صار ملكاً لفرنسا فيما بعد، ولما علم طباخو الملك أن الكيبفل أكلة مشهورة في النمسا خبزوها تكريماً للأميرة وترجموها إلى «كروسان» والتي تعني «هلال» بالفرنسية، وبدأت خبازون آخرون يصنعون الفطيرة حتى عشقها الشعب الفرنسي ونُسِبَت إليه. أما أصلها الحقيقي فهو نمساوي كما نرى - والنمساويون لغتهم الألمانية ويجاورون ألمانيا من الناحية الجغرافية - وأما أول مرة خُبِزَت هذه الفطيرة فكان قبل هذا بعشرات السنين، وتحديداً في عام 1683م بعد حدثٍ كبير كان يمكن أن يغير مجرى التاريخ. ماذا حدث في تلك السنة؟ إنه حصار فيينا. حاصر المسلمون العاصمة النمساوية بعشرات الألوف ولبث الحصار أشهراً، ولما طال الحصار أخذ الجنود العثمانيون يحفرون الأرض ليلاً تحت جدران الحصن، ولأن الوقت متأخر فإن الناس كانوا نياماً ما عدا الخبازين الذين كانوا يعملون ليلاً، فلما سمعوا أصوات الحفر أطلقوا صرخات التحذير فأخفقت المحاولة، وترك المسلمون حصار المدينة وانسحبوا، وعبّر الخبازون عن فرحهم بالخلاص بطريقة مبتكرة، فنسخوا شكل الهلال الذي كان على رايات جيش المسلمين وصنعوا فطيرة على هيئته وهكذا أتت الكيبفل أو الكروسان كفطيرة تذكارية تخلد ذكرى رفع الحصار الإسلامي.