كما أن القوانين المتعلقة بالصنعة الحديثية ترفض وصل حديث إلا بعد التثبت من رفع سنده, فهي أيضا تقرر رفض الحكم بالإرسال إلا بعد فقد شرط الاتصال,واستكمال شرائط الوقف, وكل رأي صدف عن هذاالمنهج وصدر على غير هذا الوجه فهو ليس إلا خطلاً لامرية في عدم اعتباره إذ استصحاب العنصر الدلالي والتثبت من درجة النص هو الذي يحسم مادة الهوى، وقد أشار الشاطبي إلى ذلك في موافقاته مقررا أنه: «إذا صار الهوى بعض مقدمات الدليل لم ينتج إلا ما فيه اتباع الهوى.. واتباع الهوى من حيث يظن أنه اتباع للشرع ضلال في الشرع» ص 5 ج 221 وهذا التثبت يكون باتجاهين: الأول: التمعن في بناء الإسناد والتنقيب في ملامحه وابتلاء رجاله -والرجال هنا من باب التغليب وإلا فهو يشمل حتى النساء- ومن ثم إسقاط التوصيف المناسب على الوجه الذي تقتضيه قواعد المنهجية الحديثية وأعرافها المرتضاة. الثاني: الاعتماد على الكتب الحديثية التي التزم مؤلفوها بالأحاديث الصحيحة كصحيحي البخاري ومسلم وما يضارعهما في المنهجية ذاتها, أو على أقوال المحققين من فطاحلة الحديث كالإمام أحمد وابن معين من المتقدمين أو ابن حجر والنووي والذهبي ممن ظهرصيتهم لاحقاً. والنص المحكم سواء آية قرآنية أو حديثا نبوياً هو في الأصل محل التسليم من لدن كل فرد انضبط بأحكام التشريع والتزم بمقتضياتها فهو يتعاطى مع النصوص وخصوصا تلك الصحيحة في ثبوتها والصريحة في دلالتها يتعاطى معها انطلاقا من مبدأ الخضوع والإذعان والتسليم اللا مشروط خلافا لمن ينتهك حرمات النصوص فيجعل منها حتى ولو كانت جلية القطعية محلا للنقد والتساؤل كنتيجة طبيعية لأنسنتها فيتعامل معها وكما لوكانت مقولا بشريا قابلا للمداولة والمحاورة وتعدد قوالب الجدل! مناكفة النصوص ورفض الصدورعن دلالاتها ممارسة لا تخرج في الغالب إلا عن صورتين: إما ردا كليا علنيا كما هو الحال عند ذوي السلوك الإلحادي المبني على مركزية المادة وعدم تموضع ما يقابلها, أو تأويل النص عبر تحريفه وتفريغه من محتواه والالتفاف عليه على صعيد التأويل ليبقى رسما خاليا من معناه كما هو الحال لدى أرباب التفويض, وكلا الفريقان يتقاسمان جريرة الافتيات على المقدس وانتهاك مكونه المعنوي. [email protected]