مينشين باي - خاص ب(الجزيرة) - كليرمونت، كاليفورنيا: إن السؤال الذي كان ينبغي لنا أن نطرحه فيما يتصل بانتقال الزعامة الذي تم في الحزب الشيوعي الصيني هو ما إذا كانت هذه الممارسة بالكامل أشبه بإعادة ترتيب المقاعد على سطح السفينة تايتانيك. إن تنصيب زعامة جديدة قد لا يشكل أهمية كبيرة إذا كانت نهاية الحزب الشيوعي الصيني منظورة ومحتملة تماما. لعل العديد من المراقبين يجدون مثل هذا اليقين صادما. فهم يصرون على أن الحزب الشيوعي الصيني أثبت قدرته على الصمود منذ أزمة ميدان السلام السماوي في عام 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. فلماذا نأخذ التوقعات بانهيار حكم الحزب الشيوعي الصيني على محمل الجد الآن؟ رغم أن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمستقبل الصين، فإن قدرة نظام ما بعد الاستبداد على البقاء هناك يمكن تخمين حجمها ببعض اليقين. فقد تكون الصين فريدة من نوعها في نواح كثيرة، ولكن حكم الحزب الواحد ليس حالة استثنائية على الإطلاق. الواقع أن النظام السياسي في الصين يعاني من نفس الديناميكيات الذاتية التدمير التي أرسلت عدداً لا يحصى من الأنظمة الاستبدادية إلى حتفها. من بين العديد من العيوب التي تشوب النظام الاستبدادي، أن التفسخ على القمة، والذي يتجسد في تفاقم ضعف القيادات من زعيم إلى الذي يليه، مستفحل ولا علاج له. والواقع أن الطبيعة الإقصائية المغلقة التي يتسم بها الاستبداد تمنع العديد من الأفراد الموهوبين من الارتقاء إلى المناصب الحكومية العليا، نظراً لنمط الخلافة الذي يكافئ الولاء السياسي وليس القدرات. ويفضل الحكام المستبدون الحاذقون الخلفاء الأقل موهبة، لأن التحكم فيهم والسيطرة عليهم في طريقهم إلى السلطة أسهل. ويعمل تحلل الزعامة على التعجيل بشيخوخة النظام الاستبدادي واعتماده بشكل أكبر على البيروقراطية. ومع تسلق الأفراد في مثل هذا النظام للتسلسل الهرمي، تصبح المحسوبية والعزوف عن خوض المجازفات من بين العوامل الشديدة الأهمية في تحديد فرصهم في الترقي. وبالتالي فإن مثل هذه الأنظمة تتزايد تصلباً مع انتقائها لزعماء يحملون سيراً ذاتية ممتازة ولكن سجلاتهم العملية دون المتوسط. وتُعَد المنافسة الضارية المتصاعدة بين النخب الحاكمة بمثابة السلالة الأكثر فتكاً بين أشكال تفسخ الزعامة. والعَرَض الأكثر وضوحاً لها هو الفساد، ولكن السبب متأصل في الحكم الاستبدادي. فعادة يتسم الجيل الأول من الثوريين بالارتباط العاطفي والإيديولوجي القوي بأفكار معينة، مهما كانت مضللة. ولكن النخب في مرحلة ما بعد الثورة تتسم بالانتهازية وعدم الاكتراث بالإيديولوجية. وينظر أفرادها إلى عملهم لصالح النظام باعتباره مجرد شكل من أشكال الاستثمار. وهم يسعون، مثلهم في ذلك كمثل المستثمرين، إلى تحقيق عائدات أعلى دائما. ومع تحصيل كل جيل سابق من الحكام لمكاسبه غير المشروعة الناجمة عن إمساكه بالسلطة، يتحرك الخلفاء انطلاقاً من رغبتهم في نهب غنيمة أعظم ومخاوفهم من ألا يتبقى إلا القليل من الغنائم عندما يحين دورهم على العرش. وهذه هي الديناميكية الأساسية التي تحرك الفساد في الصين اليوم. والواقع أن العواقب المترتبة على تفسخ الزعامة واضحة جلية: تعثر النشاط الاقتصادي والنمو، وتصاعد التوترات الاجتماعية، وفقدان الحكومة لمصداقيتها. واللغز هنا هو كيف لم ينتبه حتى أكثر المراقبين دراية وعلما، على الرغم من المنطق الذاتي التدمير الذي يميز الحكم الاستبدادي والدلائل المتزايدة التي تشير إلى تدهور أداء النظام، إلى أن نهاية حكم الحزب الشيوعي الصيني أصبحت الآن بمثابة احتمال راجح وواضح. يكمن أحد التفسيرات الواضحة لهذه الغفلة في قوة التفكير التقليدي. فالأنظمة التي تحكم طويلا - مثل الحزب الشيوعي السوفييتي، ونظام سوهارتو في إندونيسيا، وحسني مبارك في مصر - يُنظَر إليها عادة باعتبارها كيانات منيعة، حتى قبل أن تنهار مباشرة. ولكن هؤلاء الذين يعتقدون أن الحزب الشيوعي الصيني قادر على تحدي الديناميكيات الانحلالية الداخلية للاستبداد وسجل الأنظمة ذات الحزب الواحد الحافل تاريخياً بالفشل، قد يستفيدون من قراءة أعمال ليون تروتسكي، الذي كان خبيراً في الثورات. يُذَكِرنا تروتسكي بأن الأنظمة الدكتاتورية يُنظَر إليها باعتبارها غير قابلة للتدمير قبل أن تسقط، ولكن زوال هذه الأنظمة يُنظَر إليه باعتباره حتمياً بمجرد الإطاحة بها. وهناك تفسير آخر يتلخص في الخوف من التفكير في المجهول. فقد لا يدوم حكم الحزب الشيوعي الصيني، ولكن البديل - فشل الدولة والفوضى المدنية - قد يكون أسوأ كثيراً من الوضع الراهن. ولكن سجل التحولات الديمقراطية منذ عام 1974 يشير إلى أن تغيير النظام في الصين من غير المرجح أن يؤدي إلى كارثة. والعامل الحاسم هنا هو ما إذا كان التغيير قد يبدأ ويدار بواسطة النخب الحاكمة، كما حدث في تايوان، والمكسيك، والبرازيل، وإسبانيا. لقد أنتجت التحولات الموجهة أنظمة ديمقراطية أكثر استقراراً. وإذا حدثت مثل هذه العملية في الصين، فإن الحزب الشيوعي الصيني قد يحول نفسه إلى حزب سياسي رئيسي يتنافس مع أحزاب أخرى على السلطة، كما فعلت أحزاب استبدادية سابقاً في المكسيك وتايوان. وحتى تحول النظام بشكل فوضوي قد يؤدي إلى تحسن كبير مقارنة بالاستبداد الراكد القمعي الفاسد، برغم كونه مؤلماً وفوضوياً في الأمد القريب. وقد تكون الديمقراطية الحديثة في إندونيسيا على سبيل المثال غير كاملة، ولكنها ازدهرت على الرغم من آفاقها الهزيلة في البداية. وعلى نحو مماثل، بوسعنا أن نجزم بأن روسيا تحت زعامة فلاديمير بوتن، حيث النظام الاستبدادي الهجين المعيب، أصبحت مكاناً للحياة أفضل كثيراً مقارنة بما كانت عليه الحال أيام الاتحاد السوفييتي. إذا كان بوسعنا أن نستخلص أي درس من التاريخ المذهل للتحولات الديمقراطية على مدى الأعوام الثمانية والثلاثين الماضية، فهو أن النخب والجماهير تبذل قصارى جهدها عندما تنبذ الحكم الاستبدادي من أجل ضمان نجاح النظام الجديد. وإذا حدث مثل هذا التحول في الصين، فليس هناك من الأسباب ما قد يجعلنا نتصور أن هذه العملية، ونتائجها، قد تكون مختلفة جوهرياً. - مينشين باي أستاذ العلوم الحكومية في كلية كليرمونت ماكينا، وكبير زملاء غير مقيم لدى صندوق مارشال الألماني في الولاياتالمتحدة. حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012. Minxin_Pei www.project-syndicate.org