ستبكيك أخلاق المروءة إنها مُغيبَةُ مادُمْتَ عنهنَ غائبا كل يوم تفاجئنا الصحافة المحلية بأخبار وأنباء سارة في غالب أيامها، تحكي عن التطور الهائل الشامل في جميع مناحي الحياة في هذا البلد الآمن الذي ينعم بالخيرات وبالتوسع العمراني، وبثورة المعلومات الحديثة، وبالدعم السخي من لدن حكومتنا السنية في جميع المشاريع التنموية، فكل ذلك يسر ويدعو إلى الغبطة والشكر لله رب العباد، ثم الدعاء لولاة أمر هذا الوطن بدوام عزها وأمنها واستمرار رخائها، غير أن أنباء صباح يوم الأحد 1-3-1434ه كدَّرتْ الخواطر وهي تحمل نبأ رحيل أحد أعمدة الأدب في العالم العربي إنه الأديب الشاعر الدكتور محمد بن سعد الدبل، حيث لاقى وجه ربه صباح يوم الأحد غرة ربيع الأول عام 1434ه، وقد أديت عليه الصلاة بجامع الراجحي بعد صلاة عصر يوم الاثنين 2-3-1434ه، ووري جثمانه الطاهر في باطن أرض مقبرة النسيم -تغمده الله بواسع رحمته-، وقد ولد في مدينة الحريق عام 1364ه تقريباً، وترعرع في أكنافها بين أهله ورفاق طفولته وصباه، فنال الشهادة الابتدائية من المدرسة الثانية (الباطن) بتفوق وامتياز على أقرانه، وكانت مخايل الذكاء تطفح على محياه مبكراً، فكان في تلك الفترة يقضي مع رفاقه سحابة يومهم في استذكار الدروس والنسخ لتعلم جودة الخط والإملاء..، وفي أوقات فراغهم يزاولون هوايات من شتى أنواع الألعاب والأنشطة مثل التسابق في الجري وفي صعود فسائل النخل الصغيرة والنزول فوق متون عُسُبها، وأحيانا علو الجبال المواكث التي تحتضن بلد الحريق، وكأن لسان حال الواحد منهم إذا علا قممها طوح به الخيال متذكرا من سبقوهم من الأجيال الذين رحلوا عن الدنيا مستحضراً معنى هذا البيت: وكم من جبال قد علا شرفاتها رجال فزالوا والجبال جبال ثم انتقل بعد حصوله على الشهادة الابتدائية فالتحق بالمعهد العلمي بالرياض، وقد وفق في زملاء جدد خففوا عنه وحشة الغربة عن أهلة أمثال الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع، والدكتور عبدالله بن حمد الخثران، فأخذ كل منهم يستفيد من الآخر عند استذكار الدروس بالمساجد لتوفر الإضاءة الكهربائية بها، وشحها بالمنازل -آنذاك- فحصل على الثانوية، وعلى اللسانس في اللغة العربية بالرياض عام 1388ه وكان من دفعته الدكتور محمد بن سعد السالم مدير جامعة الإمام محمد بن سعود سابقا، والدكتور حمد بن ناصر الدخيل وحصل على الماجستير في البلاغة والنقد من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1398ه والدكتوراه مع مرتبة الشرف في البلاغة والنقد من نفس الجامعة عام 1402ه، وقد تدرج في مجال العمل الأكاديمي إلى درجة أستاذ مشارك، ورئيس لقسم البلاغة والنقد، وأمين لوحدة أدب الطفل المسلم حتى عام 1411ه وعضو رابطة الأدب الإسلامي، وله نشاط في التأليف حيث أصدر خمسة دواوين من جيد الأشعار وعدد من المؤلفات المفيدة -رحمه الله- ولقد سعدت بلقائه أول مرة منذ زمن طويل في صالون الأستاذ الكريم الأديب أحمد بن محمد الدهش - أبو خالد- وبحضور زميلي ورفيق دربي في مراحل الدراسة الأديب الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل، وكانت تلك الأمسية من أجمل الليالي مع الراحل الدكتور محمد، حيث أتحفنا بسماع بعض قصائده المؤثرة، وخاصة قصائد المراثي بصوته الرخيم الشجي، ويحسن بي ذكر أربعة أبيات من القصيدة التي سكب فيها عصارة مهجته تحسراً على رحيل إحدى زوجاته (أم سعد)، وهذا عين الوفاء بين الأزواج: سرى حديث الروح فاستمعي يا روح مرضيةٌ في الخلد أقوالي مها وسعدٌ إذا ناداك صوتهما في ظلمة الليل من للأصغر الغالي ودعتي قلباً وما زلت على ثقةٍ من اليقين ارتوى قلبي فأوحى إلي ذكراك يا كلّ أيامي إذا حضرت تروح بي حيث لا أدري بأحوالي ثم توالت اللقاءات معه في كثير من المناسبات والمنتديات الأدبية، وتبادل هدايا الكتب الأدبية بيننا، فذكرياتنا الجميلة معه لا تنسى، فإن رحيله ورحيل من ماثله عن الساحة العلمية والأدبية يعتبر خسارة لا تعوض وفجوة واسعة يتعذر سدها..، وسيبقى رنين صوته مدويا صداه بين جانبي رأس محبيه ومتذوقي شعره المؤثر الجزل إلى ما شاء الله: لو كان يَخْلُد بالفضائل فاضل وصلت لكَ الآجال بالأجال -رحمه الله رحمة واسعة- وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته (أم زاهر) وجميع محبيه الصبر والسلوان. - فاكس 015260802 - حريملاء