تقوم وزارة الصحة بإنجاز استراتيجتها والتي تعد جبارة من حيث حجم التوسع بالطاقة الاستيعابية ومدة التنفيذ القصيرة زمنياً والتي ستتكلف عشرات المليارات ومن الطبيعي أن ترتفع تكاليف التشغيل عاماً بعد عام. وبالحديث عن التكلفة التشغيلية للوزارة ومرافقها فإن حجمها للعام الحالي يصل إلى قرابة خمسين مليار ريال بخلاف خمسة مليارات للمشاريع والتطوير وتعادل تكلفة التشغيل حوالي أربعة بالمئة من الإيرادات الحكومية حالياً أي أن الوزارة تنفق يومياً 135 مليون ريال يومياً وباعتبار أن الطاقة الاستيعابية ستتضاعف بنسبة تقارب ثمانين بالمئة خلال السنوات الست القادمة إذ سيصل عدد الأسرة عام 1440 هجرية 62 ألف سرير مرتفعاً من 35600سرير حالياً ومن المتوقع أن تصل تكاليف التشغيل بعد انتهاء هذه الخطة إلى أكثر من ثمانين مليار ريال سنوياً أي مايعادل قرابة ثمانية بالمئة على الأقل من الإيرادات الحكومية في حال بقيت أسعار النفط قرب مستويات مئة دولار وظلت تمثل أكثر من تسعون بالمئة من الإيرادات أما في حال انخفضت أسعار النفط بنسب كبيرة وهو احتمال وارد فإن النسبة التي ستقتطعها تكاليف التشغيل الصحي الرسمي ستكون أكبر بكثير مما يعني أنها قد تتعرض لضغوط ترشيدية تؤثر بالنهاية على احتياجات التشغيل وكفاءته. وللاستعداد لأي احتمال سلبي مستقبلي قد تواجهه الوزارة بتأمين نفقاتها التشغيلية لا بد من وضع خطة استراتيجية موازية للخطة الإنشائية والتطويرية الحالية تحت مسمى اقتصاديات التشغيل تبحث كل السبل الممكنة لتوفير المال المطلوب حالياً ومستقبلاً بما يضمن استدامة تقديم الخدمات الصحية بالكفاءة التي تعكس استفادة كاملة من الإمكانيات التي ستصل لها الخطة التطويرية الحالية وتضمن كذلك المقدرة على التوسع والتطوير المستمر للخدمات الصحية. ولعل أولها تأمين الموارد المالية بطرق مختلفة من خلال منظومة تامينية متطورة تراعي واقع المجتمع واحتياجاته كإقرار نظام تأميني يعتمد على تجميع المخاطر وتوزيعها على شرائح المستقيدين وتساهم الحكومة بجزء منه يغطي احتياجات الفئات المحدودة الدخل وذلك عبر إنشاء صندوق ضمان صحي بما يكفل تغطية جزء كبير من النفقات التشغيلية وفق خطة طويلة ومدروسة ومحددة بسنوات للوصول إلى تغطية كاملة للتشغيل مع استمرار مساهمة الحكومة بتحمل تكاليف الفئات غير القادرة على دفع نفقاتها الصحية كما ان رفع الكفاءة الإدارية لتشغيل المرافق الصحية وتخفيف الضغط على المستشفيات التي زارها في العام الماضي أكثر من أحد عشر مليون مريض يمثلون أكثر من ستون بالمئة من المواطنين وقرابة أربعين بالمئة من سكان المملكة مما يشكل ضغطا كبيراً على خدمات المستشفيات ويتسبب بخلل إداري وهدر مالي كبير ومنفذا للواسطات نتيجة الازدحام بها فإن من شأن التوسع بإنشاء مراكز الرعاية الأولية وكذلك ترخيص العيادات والمراكز الأهلية سيوفر كثيرا من الجهد الذي يبذل بالمستشفيات لأن الأخيرة هي من تبتلع نصيب الأسد من تكاليف التشغيل ويتطلب الجانب الإداري إعادة النظر بطرق العلاج واحتياجاته للحد من طلب الفحوصات غير الضرورية وذلك برفع مستوى الكادر الطبي من جهة أخرى. كما أن اتجاه الوزارة للتنسيق مع الجامعات والكليات الصحية بتحديد نسب محددة من خريجي الثانوية ولسنوات معينة لتوفير الاكتفاء الذاتي أو النسبة العظمى من الكادر الطبي بمختلف تخصصاته يعد من الجوانب التي تحقق توطيناً لمهنة الطب وملحقاته من التخصصات الفنية سيعزز من انعكاس الإنفاق التشغيلي الإيجابي استيعابا للطاقات الشابة التي يزخر بها المجتمع وكذلك إعادة تدوير الأموال التي يتقاضونها كرواتب بالاقتصاد المحلي بدلاً من تحويل جزء كبير منها بالوقت الحالي من الوافدين فمازال النقص كبيرا بالتخصصات الطبية إذ يكفي أن نذكر مثالا معبرا عن ذلك بتخصص أطباء العناية المركزة إذ يبلغ العجز حوالي تسعين بالمئة حالياً كما أن تشجيع ودعم التصنيع المحلي للأدوية والمستلزمات الطبية محلياً من شأنه أن يعكس الإنفاق الكبير على التشغيل الطبي بفائدة اقتصادية كبيرة استثماراً وتوظيفاً واستفادة من منتجات شركات صناعية محلية تقوم بتصديرها المصانع للخارج لتعود لنا أجهزة وأدوية وتوطينا لمنتجات من الأدوية والأمصال أساسية ويعد الاستمرار بتصدير هذه المنتجات وغالبها من مشتقات النفط هدراً مركباً للمواد الخام وللنقد الأجنبي الذي يغذي الاستيراد بالاقتصاد المحلي كما يمكن فتح التعاون بإطار واسع بين الشركات الوطنية والمستثمرين بالقطاع الطبي والجامعات السعودية. كما أن اعتماد المنشآت الطبية على طرق حديثة بالطاقة والتكنولوجيا المتقدمة سيوفر مبالغ كبيرة بالنفقات إذا ما استخدمت طرق إدارية حديثة توفر الخدمات بأفضل جودة ممكنة وبأقل تكلفة ويحتاج ذلك إلى الأخذ بالمفاهيم الحديثة للإدارة وتحديثها المستمر كما أن تغيير أنظمة الاستثمار والتراخيص الطبية لتسهيل إجراءات استقطاب المستثمرين سيلعب دورا بارزا بتخفيف الضغط على الخدمات الطبية الحكومية فمدينة عرعر لايوجد بها إلى الآن مستشفى أهلي ويعد ذلك نموذجا سلبيا يندرج على الكثير من الرخص الممكن تقديمها على المستثمرين بكافة التخصصات وبكل المدن والمناطق ومن خلال إقامة المنتديات والمعارض المتخصصة بالاستثمار الطبي مع كافة الجهات ذات العلاقة كالغرف التجارية وهيئة الاستثمار وغيرهم يمكن التوسع بالرخص والاستثمار الطبي الخدمات الصحية ضرورة وركيزة أساسية تقاس بها تطور وتقدم ورفاه المجتمعات وتنعكس بفوائد كبيرة على المجتمع والاقتصاد ولابد من التوسع بالنظرة العامة لإستراتيجياتها لتاخذ كل الجوانب التي تدعم تطورها واكتفائها الذاتي للاستمرار بكفاءة التشغيل المأمولة والمطلوبة.