اتفق عدد من المختصين والاقتصاديين المشاركين في ندوة «عكاظ» في الرياض على أن التحدي الأبرز أمام ميزانية المملكة لعام 1433 1434ه «2012م»، تتمثل في سرعة إنجاز ما صدر من أوامر ملكية سامية تتعلق بقضايا الإسكان، وإيجاد حلول حقيقية لتعثر المشاريع التنموية. وبين الاقتصاديون في ندوة «عكاظ» التي أقيمت في مدينة الرياض يوم أمس تزامنا مع إعلان الميزانية العامة لعام عام 2012، إن إجمالي الإيرادات المالية وزيادة حجم الإنفاق الحكومي دليل على القوة والمتانة الاقتصادية، مشيرين إلى أن التوسع في الإنفاق الرأسمالي، وتخفيض الدين العام ساهما بصورة ملموسة في تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، وزادا من صلابته في مواجهة تداعيات الأزمة المالية الشرسة التي اجتاحت العالم من حولنا. وأكد المشاركون على أن قطاعات الإسكان والصحة والتعليم والخدمات تحتاج إلى تنمية حقيقية. واعتبروا أن الدين العام أصبح من الماضي نظرا إلى خفضه بشكل كبير، ما يمثل رسالة تؤكد قوة وكفاءة الاقتصاد السعودي الذي أثبت متانته خلال الأزمات. وفيما يلي تفاصيل ما دار في الندوة: عنصر استقرار • «عكاظ»: ما هي النظرة لما تضمنتها أرقام الميزانية وخاصة فيما يتعلق بالفائض والإنفاق الحكومي؟ العمري: من أهم ما يجب الإشارة إليه أن تلك الفوائض المالية القياسية العامة قد أتاحت للدولة بفضل الله إمكانية زيادة حصص الإنفاق الرأسمالي، التي استهدفت تطوير وتوسيع قاعدة البنية التحتية للبلاد والاقتصاد الوطني، حيث بلغت قيمة تلك الحصص خلال الفترة (2003-2010) نحو 833.2 مليار ريال، مسجلة ارتفاعات نسبية من إجمالي مصروفات الدولة أيدها الله للفترة من نسبة 13 في المائة من الإجمالي خلال العام 2003م، إلى أن تجاوزت نحو 30.4 في المائة من الإجمالي خلال العام 2010م، وتشير التقديرات حول العام الجاري إلى بلوغها نحو 224 مليار ريال، أي ما نسبته 27 في المائة من إجمالي المصروفات الحكومية خلال العام. إن كلا التوجهين السابقين المتمثلين في سداد الدين الحكومي من جانب، ومن جانب آخر التوسع في الإنفاق الرأسمالي ساهما بصورة ملموسة في تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني، وزادا من صلابته في مواجهة تداعيات الأزمة المالية الشرسة، حيث أدت عمليات السداد إلى زيادة السيولة المحلية في الاقتصاد، وإلغاء ما عانت وتعاني عموم الاقتصادات حول العالم من مزاحمة القطاع الحكومي للقطاع الخاص على السيولة المتاحة في الاقتصاد، وفي جانب الزيادة المطردة في الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية، فقد ساهمت بقوة في العمل على توسعة حجم الاقتصاد الوطني، وزادت قدراته الإنتاجية، إضافة إلى أنها لعبت دوراً حاسماً وبصورة أكبر تحت تداعيات الأزمة المالية العالمية في خلق فرص الاستثمار وتعزيزها، وزادت في رصيد عوامل جاذبيته أمام المدخرات الوطنية لتأسيس المزيد من مشاريع المتعلقة بالإسكان والطرق والمطارات والسدود والعديد من متطلبات التنمية المستدامة والشاملة للبلاد والاقتصاد الوطني. وبالنظر إلى أهمية تعزيز مسيرة التنمية واستمرار جاذبية البيئة الاستثمارية بشكل عام، وزيادة الثقة بالاقتصاد الوطني، وبناء على ما عملت عليه الميزانية المتينة للدولة أيدها الله فسيستمر العمل والالتزام بتنفيذ التوجيهات الملكية بالاعتماد للموازنة القادمة 2012م، مزيداً من المشاريع الجديدة قد تزيد عن ما تم اعتماده لميزانية العام المالي 2011م، وأن يتم التركيز على المشاريع التنموية التي ستؤدي بمشيئة الله إلى توفير الفرص الوظيفية للمواطنين والمواطنات، وأن تراعي عند إعدادها استثمار الموارد المالية بشكل يحقق متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة، مع إعطاء الأولوية للخدمات التي تمسّ المواطن بشكل مباشر مثل سوق الإسكان بالدرجة الأولى الذي اعتمدت له الدولة بناء 500 ألف وحدة سكنية، والخدمات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، والبلدية، والمياه والصرف الصحي، والطرق، والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي من خلال خطة العلوم والتقنية، ومشروعات البنية الأساسية، حيث اشتملت على مشاريع تنموية جديدة بجميع مناطق المملكة. زيادة نفقات الجوهر: إن ما تحقق يعتبر بحمد الله إنجازا كبيرا حيث بلغت الإيرادات لعام 2011 ما قيمته 1,1 تريليون ريال، نتيجة لارتفاع الإيرادات من النفط، سواء لزيادة الإنتاج أو زيادة الأسعار. وبالرغم من ارتفاع المصروفات في نفس الوقت بقيمة 224 مليار، إلا أن الزيادة الكبيرة في الإيرادات أدت لتعويض ذلك وتحقيق فائض مقداره 306 مليارات ريال، وهذا إنجاز طيب بحمد الله. وبالنظر إلى جوانب الإنفاق الحكومي في العام 2011، نجد أنها تركزت في تنفيذ المشاريع التنموية التي تم إقرارها وصرف مبالغ إضافية تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين بتوفير سكن كريم للمواطنين وتوسعة الحرمين وزيادة الرواتب وزياد نفقات الخدمات الاجتماعية وغير ذلك من أوجه إنفاق تحقق الرفاهة للمواطنين. جاذبية لاستثمارات د. فهد بن جمعة: كشفت الميزانية أن صادرات المملكة من النفط خلال العام الحالي 2011م تقارب 2,55 مليار برميل، بإيرادات نفطية قدرها 1,04 تريليون ريال متجاوزة الإيرادات النفطية لعام 2008 م، وإجمالي إيرادات المملكة النفطية وغير النفطية في 2011 تبلغ 11, 1 تريليون ريال، في الوقت الذي يبلغ إجمالي الاستهلاك المحلي من النفط قرابة 876 مليون برميل مع نهاية 2011م. فيما يبلغ الإنفاق الحكومي في الميزانية للعام الماضي ما يقارب 804 مليارات ريال، وهذا يؤدي لفائض قدره 224 مليار ريال مع بلوغ إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة 916 مليار ريال بمعدل نمو حقيقي 5,3 في المائة في 2011 وذلك مع بقاء معدل التضخم ما يقارب مستوى 5 في المائة، في حين توقع بلوغ إجمالي الناتج المحلي الاسمي 2,15 تريليون ريال وذلك بمعدل نمو قدره 29 في المائة في 2011م، أما فائض الميزانية أن يبلغ 224 مليار ريال من الأنسب استثماره لسداد 100 مليار ريال من الدين العالم البالغ 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل في الوقت الراهن إلى 153 مليار ريال، ما يعطي المملكة تقييماً إيجابياً من قبل المستثمرين. الميزانية والتطلعات • «عكاظ»: كيف تنظرون لملاءمة أولويات المشاريع التي أقرتها الميزانية مع تطلعات المواطنين والإيفاء باحتياجاتهم؟ وهل هناك أولويات مختلفة يجب التحرك لها؟ العمري: إذا نظرنا إلى رفع كفاءة الإنفاق (مساهمته في النمو الاقتصادي الكلي) في جميع الاتجاهات الأربعة السابقة، فعبر قياس كفاءة الإنفاق للفترة الماضية، وعلى الرغم من ارتفاعه عاماً بعد عام، فإن كفاءته تراجعت من 26,5 في المائة عام 2000م إلى ما دون 11 في المائة بنهاية العام الماضي، إنه الأولوية القصوى الآن أمام السياسة المالية الأقوى بين جميع السياسات لدينا. الأولوية الأخرى التي لا تقل أهميتها أيضاً، هي تركيز الاهتمام حول المشاريع المتأخرة أو الضائعة، التي استقطعت عبر السنوات القليلة الماضية أكثر من تريليون ريال، الأمر الذي ترك انعكاسات سلبية على الأداء الاقتصادي الكلي بصورة عامة، والمالية العامة بصفة خاصة. خالد الجوهر: لا شك أن الأولويات في الموازنة جاءت منسجمة مع احتياجات الوطن والمواطن؛ فالتعليم سيستحوذ على 168 مليار (أي ما نسبته 24%) وهذا رقم كبير قلما تجده لدى دولة أخرى، ويعكس إعطاء القيادة أهمية قصوى للاستثمار في الإنسان السعودي وتنميته قدراته، لكننا في هذا السباق نأمل أن تعطى الأولوية للتعليم التقني وليس الأكاديمي كي تتواءم مخرجات التعليم مع حاجة سوق العمل. أيضاً نلاحظ الاهتمام بقطاع الصحة عندما تم تخصيص 86 مليارا له، لكننا نرى أن هذا الرقم ليس كبيراً مقارنة بالحاجة لتطوير الخدمات الصحية المقدمة للمواطن. بقية القطاعات جاءت في رأينا مناسبة وتنسجم مع حاجة الوطن والمواطن. د. فهد : أولويات الميزانية طبعا ما تكون في دعم قطاعات البنى التحتية وتشمل قطاعات التعليم والصحة والإسكان التي يكون لها النصيب الأكبر وهي تكون ضمن مشروع يؤدي إلى تحسين كفاءة الاقتصاد السعودي بالإضافة إلى رفع مستوى معيشة المواطن بالإضافة التي تحسين بيئة التدريب والتعليم لخفض نسبة البطالة. أولويات التنمية • «عكاظ»: ما أبرز القطاعات التي تحتاج إلى تنمية حقيقة، وهل خرجت الميزانية من الدعم العام إلى الدعم الموجه؟ عبد الحميد العمري: يأتي الاستمرار في تعزيز الإنفاق على القطاعات التعليمية والصحية والخدمات البلدية في مقدمتها قضايا الصرف الصحي وتصريف السيول، ومعالجة أوجه القصور المتعددة في هذه الخدمات وتحديداً في المدن والبلدات التي لم تنل نصيباً كافياً من حصصها التنموية ضمن أبرز الخيارات الحيوية والتنموية، إضافة إلى التحدّي الأبرز المتمثل في سرعة إنجاز ما صدر من أوامر ملكية سامية تتعلق بقضايا الإسكان، والتي أصبحت قضية مؤرقة للمجتمع السعودي، واستعصت معها كل الحلول التقليدية السابقة، وعليه فهي واحدة من أبرز الأولويات في منظور الأجل القصير والمتوسط، وهنا لا بد أن تستجيب بقية المنشآت في القطاع الخاص لتلك التوجهات السامية، وأن تساهم بفعالية في معالجة هذا الملف المؤرق مالياً واجتماعياً. خالد الجوهر: أعتقد أن قطاع الصحة في حاجة إلى تنمية حقيقية وشاملة، كذلك أرى من الضروري تعزيز مخصصات الأمن نظراً للأخطار المحيطة بالمملكة، حيث إن إحساس المواطن بالأمن يعتبر من الأولويات للشعور بالرفاه. وكذلك فإن دعم البلديات والإنفاق في المناطق التنموية يحتاج إلى بعض الزيادة لتوزع مكاسب التنمية على مختلف أرجاء الوطن. أما بالنسبة إلى طبيعة الدعم، فنرى أنه أقرب إلى الطابع الموجه منه الى الطابع العام. د. فهد بن جمعة: لا شك أن الدعم العام الذي تحظى به كل القطاعات يأتي من الإيرادات الحكومية، ولذلك هناك ضرورة لتكون تحت مظلة استراتيجية بهدف تحسين معيشة الفرد، إضافة إلى خفض البطالة والنظر إلى كل الاحتياجات التي تهم المواطن، علما أن أهم التحديات في الوقت الراهن يكون تنويع مصادر الدخل والمحافظة على الاستثمارات السعودية المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المحلية. المشاركون في الندوة: عبد الحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودي خالد الجوهر كاتب ومحلل اقتصادي الدكتور فهد بن جمعة عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية