أكدت الندوة التي عقدتها «عكاظ» في مركزها الرئيسي أمس بعيد إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن ميزانية الدولة للعام المقبل، أن الأرقام التي وردت فيها تجعلها من أضخم الميزانيات في المملكة على الاطلاق، وتؤكد أن المواطن هو المستفيد الأول خصوصا أنها موجهة لقطاعات تمس حياته بشكل مباشر، من خلال تركيزها على عدد من المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية وتعميق التنمية المتوازنة في البلاد، إضافة إلى الصرف على المشاريع القائمة والمعلنة. ولكن الخبراء الاقتصاديين الذين شاركوا في الندوة اعتبروا أن أهم الاولويات في الميزانية هي ما يريده المواطن الذي يريد أن يلمس نتائج الميزانية في حياته اليومية ويشعر بالطفرة الاقتصادية التي يعيشها الوطن. وشددوا على أن المطلوب الآن أن يعمل المسؤولون على طمأنة المستهلكين من خلال إفصاحهم عن الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي ينوون اتخاذها لكبح جماح ارتفاع الأسعار، والتكاليف المتزايدة التي أضحت تثقل حياتهم وتمس صميم معيشتهم. وفي ما يلي وقائع الندوة: الفائض والإنفاق • «عكاظ»: ما وجهة النظر في ما حققته ميزانية العام الماضي وخصوصا في ما يتعلق بالفائض والإنفاق الحكومي؟ د. حبيب الله التركستاني: بنظرة أولية سريعة على أرقام ميزانية الدولة للعام الحالي، نجد أن إيرادات الدولة تجاوزت 702 مليار ريال فيما بلغ الفائض 12 مليار ريال. وأعتقد أن هذه الأرقام ستساهم في تحقيق تفاؤل لدى المواطنين الذين يعلقون آمالهم عليها خصوصا أنها تمس شرائح المجتمع بشكل مباشر من خلال تحسين الرواتب للموظفين والمتقاعدين وإيجاد حلول سريعة لإشكالية الاسكان والخريجين مع رفع معاشات الضمان الاجتماعي. كما أن الميزانية أشارت إلى وجود ارتفاع في الناتج المحلي حيث قارب نسبة 6% بعدما كان في العام الماضي 4%، كما أن هناك نموا في القطاع الحكومي بنسبة 7% بسبب الانفاق الحكومي الكبير وقد توافقت هذه النسبة مع توقعات مؤسسة النقد. د. سالم باعجاجة: حققت ميزانية العام الماضي فائضا كبيرا حيث بلغت الايرادات الفعلية 1.110 مليار بزيادة نسبتها 106% عن المقدر لها، كما بلغت المصروفات الفعلية للعام الماضي 804 مليارات ريال بزيادة نسبتها 39% عما قدر لها. وهناك فائض قدره 306 مليارات ريال وهذا الفائض يمكن استغلاله في سد جزء من الدين العام، وكذلك لتمويل القروض العقارية حيث صندوق التنمية العقاري في حاجة إلى 250 مليارا للقضاء على قائمة الانتظار. عصام خليفة: كما كان متوقعا جاءت ميزانية الدولة هذا العام الأضخم في تاريخ المملكة، وهي تظهر أرقاما طموحة غير مسبوقة بالنظر إلى زيادة الإيرادات التي دعمتها بشكل أساسي أسعار النفط المرتفعة وزيادة حجم الإنتاج، والتي من المتوقع أن تحافظ على تماسكها للعام 2012. وأشارت الميزانية من خلال تقديراتها إلى تحفظ شديد لأسعار النفط، حيث افترضت أن يبلغ سعر النفط الخام السعودي 65 دولارا للبرميل مع انتاج 8.5 مليون برميل يوميا، لهذا جاءت تقديرات الميزانية 2011 على أساس عجز في الإيرادات عن النفقات يقدر ب40 مليار ريال، حيث قدرت الإيرادات العامة بمبلغ 540 مليار ريال، بينما قدرت النفقات بمبلغ 580 مليار ريال، وسيغطى العجز المتوقع في الميزانية من الاحتياطات الكبيرة التي تحققت في الأعوام السابقة. إلا أن أسعار النفط تجاوزت تقديرات الميزانية لتتجاوز حاجز 90 دولارا في المتوسط، لهذا من المتوقع تحقيق فائض حقيقي في العام 2011م. إلا أن أبرز ملامحها أنها ميزانية توسعية متفائلة ما يضع الأسس لحافز مالي قوي للاقتصاد في التوسع، وقد انعكست النفقات العامة على شكل زيادة في مختلف المشاريع الحيوية والقطاعات الرئيسية دون استثناء، كما أعطت أهمية كبرى للخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر مثل التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والخدمات البلدية والمياه والصرف الصحي والطرق وبعض مشروعات البنية الأساسية في مختلف مناطق المملكة والتي ستساهم في زيادة النمو الاقتصادي. أما الإنفاق الحكومي فلا يزال المحرك الأقوى والمضخة الأهم للأموال المحركة لاقتصادنا، سواء من خلال النفقات الحكومية التشغيلية كرواتب موظفي الحكومة ومستخدميها ونفقات الصيانة ونحوها من النفقات الجارية، أو من خلال النفقات الحكومية الاستثمارية كمشاريع البنية التحتية أو المشاريع الإنتاجية كمصانع البتروكيماويات وغيرها. • «عكاظ»: كيف تنظرون إلى الإنفاق مقارنة بالميزانيات السابقة؟ عصام خليفة: من خلال تتبع أداء الميزانيات الماضية نجد أن الإنفاق الفعلي في وضع تصاعدي، ومن المتوقع أن يستمر هذا التصاعد للسنوات المقبلة. وكما هو متوقع تجاوز الإنفاق الفعلي ما قدر في ميزانية 2011 بنحو 224 مليار ريال وبنسبة 22%، ليصل إلى نحو 804 مليارات ريال. وقد انعكس الإنفاق العام على شكل زيادة في جميع القطاعات الرئيسية دون استثناء، كما أعطت الميزانية أهمية للخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر مثل التعليم والصحة والشؤون الاجتماعية والخدمات البلدية والمياه والصرف الصحي والطرق وبعض مشروعات البنية الأساسية في جميع مناطق المملكة والتي ستساهم في زيادة النمو الاقتصادي. كما أن هناك برنامج إنفاق حكوميا موجها يرتبط بالخطة الخمسية التاسعة، وتصاعد هذا الإنفاق ناتج في الأساس من تصاعد الإنفاق الاستثماري لاستكمال وتحديث البنية التحتية، والمدارس، والمستشفيات، والجامعات... إلخ، وهو موزع على مختلف مناطق المملكة لرفع مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ونتوقع أن يكون هناك إنفاق حكومي إضافي على إنشاء وحدات سكنية على مدى العامين المقبلين، وأتمنى أن تضخ الحكومة الأموال على مشاريع تنموية لخلق وظائف جديدة، والحد من البطالة، لأن الهاجس الأكبر للمجتمع هو السكن والوظائف. تطللعات المواطنين • «عكاظ»: كيف ترون ملاءمة الأولويات في المشاريع التي اقرتها الميزانية مع أولويات تحقيق تطلعات المواطن والإيفاء بالاحتياجات؟ د. حبيب الله التركستاني: من أبرز أولويات الميزانية أنها تتوجه نحو عدد من القضايا الاقتصادية ومنها معالجة مشكلة البطالة في المجتمع السعودي حيث يطلب المزيد من الاستثمارات في مجال تنمية الموارد البشرية وتوطين الوظائف، كذلك مشكلة التضخم، والمطلوب من الميزانية الاستثمار في مجال الصناعة ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة وذلك للوصول الى احلال المنتجات الوطنية مكان المنتجات المستوردة لكبح جماح الاسعار الملتهبة من خلال الحد من الاستيراد وارتفاع التكاليف. ويضاف إلى ذلك مشكلة الاسكان حيث اتجهت الميزانية نحو معالجة توفير السكن للأسر السعودية خصوصا ان هناك ارتفاعا كبيرا في اسعار الاراضي وأصبحت بالملايين ناهيك عن ارتفاع اسعار المواد الانشائية. وأرى أن من ضمن الاولويات التي اتجهت لها الميزانية الاهتمام بالتعليم والصحة ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية من خلال دعم المؤسسات المجتمعية ومحاربة الفقر بالإضافة الى التركيز على المشاريع التنموية والانفاق الحكومي في المشاريع الحيوية. د. سالم باعجاجة: لعل من أبرز الأولويات أن الميزانية تتركز على زيادة الصرف على التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي وتصريف السيول والخدمات الاجتماعية والأمن والطرق والكباري، وهناك أولويات أخرى مثل بناء وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود حتى تخفف على المواطن من أعباء الديون. إلا أن أهم هذه الأولويات توفير فرص وظيفية للمواطن وإحلال السعوديين بدل العمالة الوافدة وتشجيع القطاع الخاص على تحمل العبء الأكبر من الصرف على تأهيل الكوادر البشرية. عصام خليفة: إن أبرز الاولويات هي ما يريده المواطن، فهو يريد حل مشكلة التضخم، لأن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو إنكارها أو حتى التقليل من شأنها، هي أن الأسعار ارتفعت ارتفاعا مؤثرا، طال مستوى معيشة أغلب الناس. وقد توسعت دائرة التضخم لتنتقل من قطاع إلى آخر حتى وصل إلى كثير من السلع الأساسية. وقد جاءت هذه التطورات الخطيرة لتزيد من قلق الناس البالغ على مستوى معيشتهم. فالمطلوب أن يعمل المسؤولون على طمأنة المستهلكين من خلال تصريحهم عن الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي ينوون اتخاذها لكبح جماح ارتفاع الأسعار، وامتصاص قدر من هذه التكاليف المتزايدة التي أضحت تثقل حياتهم وتمس صميم معاشهم. كذلك يريد المواطن أن يتلمس نتائج تلك الميزانيات في حياته اليومية ويستشعر تلك الطفرة الاقتصادية التي يعيشها الوطن والتي أرجو الله أن تستمر باستثمار تلك الأموال لتكون شرارة التشغيل لدورات مالية متتالية مستمرة مهما كان حجم الإيرادات النفطية مستقبلا. ويريد المواطن من المسؤولين في الوزارات الاستفادة المثلى من تلك المخصصات بطرق غير تقليدية، ذلك أن الطرق التقليدية لا يمكن أن تحقق تلك التحولات مهما كان حجم الميزانية لأن الطلب المتزايد سيبتلعها دون أن يظهر لها أثر ملموس. كما يريد المواطن من الميزانية القضاء على مشكلة البطالة التي ارتفعت نسبتها الرسمية إلى 12% للرجال و30 % للنساء، وهذا يعني وجود ما يقرب من مليوني عاطل وعاطلة عن العمل من إجمالي القوى العاملة ولا يكاد يخلو بيت من عاطل أو عاطلة عن العمل. وكذلك تريد المواطنة السعودية إعطاءها الفرصة لإثبات جدارتها وقدرتها وطموحاتها للتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية الحديثة والاستفادة منها في التنمية الاقتصادية خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها كثير من الأسر السعودية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع متطلبات الحياة المعيشية التي تسببت في عجز الآباء والأزواج عن تأمين متطلبات الأسرة من تأمين السكن والمأكل والعلاج والتعليم وغيرها من الاحتياجات التي أصبحت ضرورية في عصرنا والتي كانت في قرون ماضية رفاهية لدى الكثير. وكل ذلك استدعى عمل المرأة لدعم اقتصاد الأسرة ومشاركتها في تحمل اعباء المعيشة الصعبة. مواجهة البطالة • «عكاظ»: ما هي أبرز القطاعات التي تحتاج إلى تنمية حقيقية من خلال هذه الميزانية؟ د. حبيب الله تركستاني: أبرز القطاعات التي تحتاج إلى تنمية حقيقية وعاجلة هي قطاع التوظيف والتدريب والتعليم والبحث العلمي، مع التأكيد على أنه بالعمل والبحث العلمي تنمو الشعوب وتتطور. د. سالم باعجاجة: أعتقد أن أبرز القطاعات التي تحتاج قطاع الصناعة والذي سيوفر الكثير من الوظائف لطالبي العمل من الجنسين ويخفف البطالة المنتشرة ويخفف على الدولة من صرف إعانات للعاطلين عن العمل. عصام خليفة: أرى أن أبرز ما يحتاج إلى التركيز هو مسألة مواجهة البطالة وذلك من خلال صرف جزء من الميزانية على القطاع الخاص، بهدف تأهيل طالبي العمل وتوجيه النظام التعليمي ومعاهد التدريب لتوفير المطلوب في السوق، وإنفاق جزء من الميزانية على تقديم الحوافز للقطاع الخاص لضخ كوادر وطنية تتوافق مع متطلبات السوق. وأعتقد أن الشروع في إنشاء صندوق استثماري للاجيال القادمة لا يتطلب الكثير من التفكير والاخذ والرد، لا سيما أن المرحلة الحالية تتطلب الاستفادة من التجارب السابقة، وبالتالي فإن الاعتقاد السائد بأنه حان الوقت للشروع في إنشاء صندوق الأجيال القادمة. المشاركون في الندوة : * د. حبيب الله التركستاني أستاذ التسويق في جامعة الملك عبدالعزيز * د. سالم باعجاجة أستاذ المحاسبة في جامعة الطائف * عصام خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي عضو الجمعية السعودية للجودة