تحية طيبة وكل عام والمسلمون جميعا بخير,, وبعد,. فقد قرأت تعقيبا في عزيزتي الجزيرة في عدد يوم الخميس الثامن عشر من شهر رمضان المبارك عن الغرفة التجارية بالرياض بعنوان,, ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر نقاط جديرة بالدراسة من الغرفة التجارية واريد ان اعقب على العنوان الأول: (ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر) اذ هو متعلق بالشعر والادب (تخصصي أنا) اما التجارة والغرفة التجارية فلا علاقة لي بهما الا لتصديق تعريف,, مثلا قال ابو نواس: يا ربع شغلك اني عنك في شُغلٍ لا ناقتي فيك لو تدري ولا جملي قال الكاتب جمال بن يوسف الشرهان: قال بشار بن برد: تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر والشاعر ليس بشار بن برد بل هو ابوفراس الحمداني شاعر الفرسان وفارس الشعراء، امير من بني حمدان اعمامه من تغلب واخواله من تميم واسمه الحارث (وابو الحارث من كُنى الاسد) بن سعيد بن حمدان، اشتهر برومياته وهي القصائد التي قالها ايام جهاده الروم في عهد ابن عمه سيف الدولة الحمداني امير حلب، ومنها هذه القصيدة التي قالها في الأسر. التعقيب الثاني على قول الشاعر,, (ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر) والصحيح لم يَغلُهُ المهر، اي ان مهرها مهما غلا فسيدفعه مسترخصاً له مهينا لماله في سبيل الظفر بالحسناء المخطوبة، بدليل ارخاص الروح في طلب المعالي والروح اغلى ما يملكه الانسان والجود بها أغلى أو اعلى غاية الجود: قال الشاعر: يجود بالنفس اذ ضنّ البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود ولي هنا ملاحظتان: الأولى: ان على اولياء الأمور ألا يُغلوا في مهور البنات حتى لا يُعجزوا الخطاب فأقل النساء صداقاً اكثرهن بركة. الثانية: على الشباب الا يغلوهم المهرُ لأن بعض الآباء يريد طرد الخطاب بغلاء المهر على طريقة: (اذا اردت ان تطرد صهرك، فغلّ مهرك)، بل على الشباب ان يبذلوا المهور طيبة بها نفوسهم, قال تعالى: (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتانا واثماً مبينا) دل اعطاء القنطار وهو من اغلى ما تعرف العرب على عدم تحديد المهور. ولا بأس بعرض سريع لبعض أبيات هذه القصيدة التي غنتها الراحلة كوكب الشرق ام كلثوم مرتين، مرة باللحن القديم في مبتدأ حياتها الفنية ومرة بلحن الملحن الراحل (ملحن الروائع كما يسمى) رياض السنباطي في الستينات. مطلع القصيدة: أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ أما للهوى نهي عليك ولا أمرُ؟ نعم أنا مشتاق، وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاعُ له سرُّ وقد اعترض بعضهم على قول نعم في اول البيت الثاني وصححوا (خطأً) بقولهم بلى بدل نعم لان جواب السؤال المنفي يكون ببلى في الاثبات وبنعم في النفي, والحقيقة ان أبا فراس لا يجيب عن السؤال وانما يقرر حقيقة انه مشتاق,, الخ. قرر ابو فراس في البيت الثاني انه او مثله لا يذاع له سرّ فلا يبكي امام الناس وخصوصا في مقام الحب والغزل فهو لا يليق بأمير فارس مثله لكنه يعلن في البيت التالي انه يبكي في الليل وحيدا: اذا الليل اضواني بذلت يد الهوى واذللت دمعا من خلائقه الكبرُ ويشكو حرقة الحب وشدة الشوق: تكاد تضيء النار بين جوانحي اذا هي اذكتها الصبابَةُ والفكرُ ويعلن انانيته في الحب، ولعل منها الغيرة التي يتكلمون عنها,, قال: معللتي بالوصل والموت دونه اذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ فموقفه محمود في الأنانية بهذا الوفاء وامرها معللته بالوصل محمود بعدم الوفاء بالوصل: وقد نعوا على الشاعر القديم قوله: اهيم بدعد ما حييت فان امت فواكبدا من ذا يهيم بها بعدي قالوا له: أترجو من يهيم بها بعدك؟ هلا قلت: اهيم بدعد ما حييت فان امت فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي وقول ابي فراس الاناني: اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر بعكس من قال: فلا هطلت عليّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا ويكفي هذا من الغزل، على ان ابا فراس كان في الأسر حيث قال هذه القصيدة وكل ما قاله اختلاق فلا حبيبة ولا مُحبّ قال تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون, ألم تر أنهم في كل واد يهيمون؟ وانهم يقولون ما لا يفعلون؟ الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). ونأتي الى أَسرِهِ,, قال: أسرت وما صحبي بعُزلٍ لدى الوغى ولا فرسي مهر ولا ربُّه غمرُ فهو أسرٌ كما سيقول فيما بعد حصل له بقضاء الله وقدره والا فهو استعد فله فرس قوي وله الفرس صاحب ابو فراس مشهور لا مغمور وله اصحاب مسلحون بأحسن سلاح وليسوا (عُزلاً) وبالمناسبة يخطىء من يقول (العُزَّل) فالعُزَّل جمع عازل مثل راكع وركَّع، وساجد سُجَّد أما أعزل فجمعه عُزل، مثل أحمر: حُمر أخضر خُضر وأبيض: بِيِض اصلها بُيض . ولكن اذا حُمَ القضاء على امرىءٍ فليس له برٌّ يقيه ولا بحرُ وكما قالوا: اذا حُمَّ القضاء ضاق الفضاء. إنكار الدعوة للفرار: قال ابو فراس: وقال اصيحابي الفرار او الردى فقلت هما امران احلاهما مرُّ ملاحظتان: الأولى اصحاب صغّرها على أصيحاب للتقليل او التحبب وصيغة افعال تصغّر على أُفيعال مثل: أوقات: أويقات, قال الشاعر: وقفت فيها اصيلالاً اسائلها عيّت جوابا وما بالربع من احدِ فصغر (آصال) على (أُصيلال). والثانية: أمران احلاهما مرُّ: ذهبت مثلاً, كقول السموءل بن عاديا: وقال غدر وثكل انت بينهما فاختر وما فيهما حظٌّ لمختارِ حيث خيّر بين الثكل بقتل ابنه والغدر بتسليم سلاح امرىء القيس والقصة مشهورة وكلاهما مر، ولا حاجة لتشعيب الحديث اكثر. اختار ابو فراس الأسر مفضلا اياه على الفرار، قال: ولكنني امضي لما لا يعيبني وحسبك من امرين خيرهما أسرُ وانا أفضل لو فرّ منحازاً الى فئة من المجاهدين بدل الأسر والعذاب, قال تعالى: (ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله) فكان امامه مندوحة من فرار الجبن الى الجهاد في محل آخر او مع فئة اخرى. ومن فخره بنفسه قوله: وما حاجتي بالمال ابغي وفوره اذا لم افر عرضي فلا وفر الوفرُ أخذه من زهير بن ابي سلمى بقوله: ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتمِ ومنه (الفخر): سيذكرني قومي اذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ وهذا يسميه البلاغيون (التشبيه الضمني) وقد ذهب هذا البيت مثلا فقد قرأت في المسائية قولها عن سامي الجابر والهلال تحت عنوان (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر) مايأتي: مع كل هجمة ضائعة وفرصة مهدرة لفريق الهلال,, يتذكر الهلاليون نجمهم البارع قائد المنتخب السعودي المحترف في انجلترا سامي الجابر,, الخ. ويفخر ابو فراس بقومه,, يقول: ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين او القبرُ وهذه مبالغة العرب عامة والشعراء خاصة، والا فالمسلمون أمة وسط، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وفي هذا المعنى مبالغة اكبر (لشاعر قديم) قال : ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وان نحن أومأنا الى الناس وقّفوا ونأتي اخيرا الى البيت موضع الكلام والتعقيب وهو: تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغله المهرُ والمبالغة البليغة بفخره بقومه في آخر القصيدة: اعزبني الدنيا واعلى ذوي العلا واكرم من فوق التراب ولا فخرُ ومع كل ذلك قال: ولا فخر اذن كيف يكون الفخر؟ مع الشكر لجريدة الجزيرة (الطامية) وصفحتي عزيزتي الجزيرة (السامية) والقراء الكرام والسلام ختام. نزار رفيق بشير الرياض