يعدّ مبدأ اللياقة, أو المثل الأعلى في طليعة القواعد التي يعتمد عليها النقد العربي, ومعنى اللياقة في النقد وجود نموذج للشيء الموصوف ينبغي للشعراء أن لا يحيدوا عنه, فالفرس مثلا لا يوصف بأن شعره مسترسل على جبينه حتى لو كان هكذا في الواقع, والمرأة الجميلة عند الشعراء قديما من كانت بدينة مصقولة العوارض. ولقيمة المثل الأعلى في الوصف في الشعر العربي جعلت حتى الشاعر الأعمى وهو ربيعة الرقي في العصر العباسي يحتذيه فيصف المرأة في قوله: لقد أعطيت أردافا ثقالا وقد حُمّلت مالا تحملينا وقد يكون في مبدأ اللياقة مدخل لاتهام الشعر بأنه تقليدي وغير خلاق, وهذا ما حصل ضمنا عند الرومانسيين إذ يعرّف غايتان بيكون- أحد مؤرخي الأدب الفرنسي- الرومانسية بقوله:" إنها مجموعة أذواق متزامنة, وحريات خالقة, ولا يهم أي شيء تخلق, ولكنه شخصي وأصيل وغير تقليدي يشعرون به في الوقت نفسه انّ الرومانسية فن شعاره كل شيء مسموح به". لكن مبدأ اللياقة لا يعدّ نقدا للشعر نفسه وإنما يلمح العلاقة بين الشعر وبين المواصفات الاجتماعية والأخلاقية ومن ثم ملاحظة الجودة المثالية في الشيء الموصوف, هناك مثال للشاعر كثير عزة مع الناقد ابن أبي عتيق, يقول كثير: وأخلفن ميعادي وخنّ أمانتي وليس لمن خان الأمانة دين فقال ابن أبي عتيق: أعلى الأمانة تبعتها؟ فانكفّ كثير واستغصب نفسه وصاح وقال: كذبن صفاء الود يوم محلّه وأنكدنني من وعدهن ديون فالتفت إليه ابن أبي عتيق فقال: ويلك! أو للدين صحبتهن يا ابن أبي جمعة؟ ذلك والله أملح لهن, وأشبه بهن وأدعى للقلوب إليهن. وإنما يوصفن بالبخل والامتناع, وليس بالوفاء والأمانة. سيدك ابن قيس الرقيات كان أعلم وأشعر منك وأوضع موضعه منهن! أما سمعت قوله: حبّ ذاك الدلّ والغنج والتي في عينها دعج والتي إن حدثت كذبت والتي في وعدها خلج أما إذا سقنا مثالا آخر للناقد الأقيشر في مجلس الخليفة عبدالملك بن مروان حين قال الأقيشر للخليفة: أخطأ الشاعر حين قال: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت فيا ويح دعد من يهيم بها بعدي فطلب الخليفة من الناقد أن يقول البيت على الوجه الصحيح, فقال الأقيشر: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت أُوكل بدعد من يهيم بها بعدي فقال الخليفة: والله لأنت أخطأ منه, فطلب الناقد من الخليفة أن يصحح البيت , فقال الخليفة: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي فهل من الممكن أن نستغني عن مبدأ اللياقة؟ ونقول إنه تقليدي وغير خلاق؟!! * محاضرة في اللغة العربية