المطر يتكلم.. ليس فقط مع النفوس وهو يمنحها البهجة والندى.. وليس فقط مع العيون وهو يعطيها الجمال والأمل.. وليس فقط مع الحواس في الإنسان كلها وهو يحدثها ويسمع لذائقاتها في تواد.. وليس فقط وهو يسقي لها المدر، والحضر، والوبر، والسطوح، والثقوب، والتراب، والجدر.. بل هو يتكلم مع كل ضعف، ووهن، وكسر, وشق في حياتها.. كلامه حينئذ قاس بقسوة قوته, مهلكٌ بسطوة دفقه.. المطر رسول الرحمة، والسقيا، والنسمة الحنون.. غدا مصدر خوف وتوجس وقلق.. دافع حذر وترقب وانتباه.. موضوع تحذير، مضمون قرارات، وحكاية مدن، وقصص موت، واضطراب قلوب.. وحين كانت المدن والقرى والصحاري لم تبلغ من التحضر والمدنية والعمار ما بلغته في الوقت الراهن كانت تصغي لصوت المطر بكامل مشاعرها، وتتناغم مع معطياته بلغة الفرح، والانتظار, والجمال, وبديع ما فيه من آيات.. بينما حين غدت في زمن التحضر, والعمار, وسطوة التقنية, ووفرة وسائل الحماية, وسبل السلامة، خافت المطر بخوفها من زلل الغفلة، وحصاد الإهمال.. جدة، من أجل المطر تمنع صغارها من المدارس, وطلاب جامعاتها من التحصيل.. وتقبع رؤوس فيها عيون، وصدور فيها قلوب عن ممارسة اليوم، كما ينبغي أن يمارس فيه الإنسان السعي، والحصاد.. تعطل مفهوم المطر.. ولم يُقرأ كلامه كما لا بد أن يقرأ.. ولم تعد الآذان تصغي لخرير مائه.. ولا الأرواح تنتشي ببهي رائحته كما كانت.. يوم أن كانت تستوعبه عطاء ً جميلاً، ومنحة كريمة, ورسولاً للرواء.. بل غدا المطر نذير خوف.. وهاجس قلق..!! بعد أن تعطلت به سيرورة اليوم.. وغرق في جريانه الجسد والأمل..! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855