حسنًا فعلت جريدة «الجزيرة» بتخصيص ملف عن الأمير خالد الفيصل الرَّجل الموهوب المبدع المميز، فهناك من يكون موهوبًا ولكنَّه غير مبدع وهناك من يكون مبدعًا ولكن دون تميز، بينما الأمير خالد لم يدخل مجالاً إلا ويكون في القمَّة عطاءً وإخلاصًا وتميزًا. ومن يراجع السيرة الذاتية يجد أن الأمير خالد متعدد الاهتمامات وله بصمته في الحياة وأثرى الفكر الوطني والإنساني والحضاري والتنموي. وأول ما أبدأ به هو ما مررت به كمواطن مرّ بمراحل عمرية مُعيَّنة وأقصد موهبة الكلمة الشعرية والصياغة المبدعة التي تحاكي الوجدان وتنفذ داخل النَّفْس وتصف حالات الوجد والحب والهيام فكان خالد الفيصل الذي اتّخذ له لقبًا يماثل اسمه وهو «دايم السيف» الذي يأسرنا بكلماته وبوحه وصدق تعبيره وأول ذلك كانت أغاني محمد عبده التي فتحت لفنان العرب طريق الشهرة والحضور والنجاح ذلك أن الأغنية كلمة جميلة يشاركها لحن رائع وأداء أروع وكنَّا خلال مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية والجامعية إلى وقتنا الحاضر وخالد الفيصل يمطرنا بإبداعه وتميزه ونجاحه وعودة إلى الماضي الجميل لنراجع ونستمع إلى إبداعات خالد الفيصل على امتداد عطاء محمد عبده ونجاحه، فهناك أيوه قلبي عليك ألتاع وياصاح أنا قلبي من الحبِّ مجروح وقلبي اللي لواه من الصواديف لاوي وماهقيت أن البراقع يفتنني وياليل خبرني عن أمر المعاناة ولو وفيت وفي سحابه ووقف تراني وياشايل الظبي بين إيديه ويامدور الهَّين وذكرني وستل جناحه وسايق الخير ومعك التحية يانسيم الجنوبي وأرفع راسك أنت سعودي ولا الذي صورك وتستاهل الحب نجدية ووفز الخفوق وقلت يالله عسى خير وشرهة العاشق وغريب الدار وسريت ليل الهوى وليتك معي ساهرن ليل الهوى كلّّه وتنشد عن الحال هذا هو الحال وياغالي الأثمان وشبيه صويحبي ومن بادي الوقت وهذا طبع الأيامي ونوى القلب نية وأواه ويا زمان العجايب وش بقى ما ظهر وطال السَّفَر والمنتظر مل صبره ومن حنانك أرفع ستار الخجل والونه وياغايبه إلا عن الخاطر سلام والساحل الشرقي ومرتاح أحبك والغزال العارضيَّة والهوى الغايب وقسوة وكل مانسنس. وغيرها الكثير وقد تميز خالد الفيصل بشمول كلماته الحكمة والوطنيَّة والرثاء والقيم الإنسانيَّة المختلفة فأبدع وأجاد وكانت أمسياته والزحام الشديد لها دليل على شعبيته ونجاحه وقد حضرت له أمسية في القاهرة كانت متميزة ورائعة. وقد سُئل في المؤتمر الصحفي في منتصف رمضانتقريبًا حول استعدادات سوق عكاظ عن إمكانية تنظيم أمسية لسموه فقال بِكلِّ تواضع لقد أعتزلني الشعر والواقع أن جهوده التنموية والإداريَّة والفكريَّة ربَّما أخذته من الشعر لكن نطلب من جمعية الثَّقافة والفنون الإلحاح على الأمير لإقامة أمسية شعرية تعيد للشعر وهجه وإبداعه. ثمَّ بعد سنوات وبعد عودتي من الدراسة في الخارج والتحاقي بالعمل في وزارة التَّربية والتَّعليم بمعية معالي الدكتور محمد الرشيد كانت لي عدَّة مشاركات وزيارات لمنطقة عسير تشرفت بالاستماع لأحاديث الأمير وتجربته الإداريَّة وكان منها زيارة إلى محافظة بيشة عام 1916 وكان هناك حديث عن عسير وكيف كانت أول ما وصلها بحضور عدد من الذين وصلوا معه آنذاك فكان الحديث لهم يرون وعورة الطرق وصعوبة الحياة وبساطتها فكانت ملحمة التنمية في عسير شاهدًا على إبداع الأمير خالد الفيصل وسطر ذلك في كتاب له بهذا الأمر. وبعد انتقالي للداخليَّة رافقت الأمير الجليل نايف بن عبد العزيز -رحمه الله- لعدة رحلات إلى عسير فكان عمل الأمير خالد الفيصل واضحًا في التنظيم والتطوير وفي المهرجانات السياحيَّة والجوائز التي تكافئ الموهوبين والمبدعين، ثمَّ حظي بثقة خادم الحرمين الشريفين ليكون أميرًا لمكة المكرمة وينال هذا الشرف العظيم فكان ولا يزال نعم الإداري المنجز الحريص على التنمية والتطوير والإبداع. أما الجوانب المُتعدِّدة في شخصيته فهو خطيب مفوّه يعرف كيف ينتقي الكلمة ويلقيها كما أنه فنان تشكيلي أقام عددًا من المعارض المختلفة وفيها عبّر بريشته عن الكثير من مكامن الإبداع في شخصيته. إضافة إلى ذلك فإنَّه المخطط الرئيس لمؤسسة الملك فيصل الخيريَّة وقائدها إلى مصاف المؤسسات المتقدِّمة في مجالها وأنشطتها وأصبحت جائزتها تمنح للعلماء والنابغين والمبدعين، ثمَّ تتبعاها جائزة نوبل مما يدل على مصداقيتها وتميُّزها عالميًّا وفي شتَّى مناحي المعرفة من طب وعلوم وكيمياء وفيزياء وغيرها. وقبل سنوات طرح إنشاء مؤسسة الفكر العربي لكي يخدم رجال الأعمال الفكر والنبوغ عبر الحوار والطَّرح العلمي الفكري والرزين وكان لي شرف المشاركة في أعمال هذه المؤسسة في عدد من مؤتمراتها فكانت رائدة في أطروحاتها وموضوعاتها وكان الصفوة من أهل الفكر والثَّقافة والعلم هم من يشارك في مؤتمراتها مع الاهتمام بالشباب كعنصر مهم لمستقبل الأمة العربيَّة. لقد كان خريج جامعة أكسفورد العريقة عند حسن ظن من منحه الدرجة العلميَّة فكان بارزًا معطاءً منذ أن كان أول مدير عام لرعاية الشباب وصاحب فكرة دورة الخليج التي تُعدُّ أهم مسابقة رياضيَّة في المنطقة حتَّى الآن. وهو في الصحافة والإعلام رائد في تأسيس المجلات والصُّحف إذ أنشئ مجلة الفيصل الرصينة العميقة واستمرَّت بالصدور من مؤسسة الملك فيصل الخيرية، ثمَّ أسهم في إطلاق صحيفة الوطن التي طلَّت ولا تزال علامة فارقة في الصحافة المحليَّة في طرحها وأسلوبها. إن الحديث عن الأمير المبدع خالد الفيصل لا تكفيه الصفحات وها هو يعيد الرُّوح إلى سوق عكاظ ليكون موسمًا ثقافيًّا ينتظره الجميع في منافسات الشعر والأدب والفكر والتراث فشكرًا خالد الفيصل على هذا التَّميز والإبداع وإلى الأمام. أكاديمي وإعلامي