قررت وزارة العمل بدءاً من هذا الشهر تحصيل 200 ريال شهرياً عن كل عامل وافد يزيد على متوسط عدد العمالة السعودية في المنشأة، وذكرت الوزارة أن هذا القرار سيزيد من تنافسية العمالة المواطنة ويُرشد الاستقدام ويُحجم نسب العمالة السائبة. والحقيقة أنه إن كان لهذا القرار من تأثير على سوق العمل، فهو إتاحة مزيد من فرص العمل للعمالة السائبة، وبالتالي زيادتها وليس تحجيمها. فأي منشأة يزيد فيها عدد العمالة الأجنبية عن عدد العمالة السعودية، وهذا هو حال كافة المنشآت تقريباً، ستكون وسيلتها للتملص من دفع هذه الرسوم الإضافية أن يكون أكبر قدر من هذه الزيادة في عدد عمالتها الأجنبية عمالة سائبة غير نظامية، فعندها لن تضطر لدفع رسوم على توظيفها، فهي غير مسجلة على كفالتها لدى وزارة العمل. وإن كانت تقارير مجلس الشورى تتحدث عن وجود 5 ملايين مقيم غير شرعي في المملكة، فإن هذا العدد، بفضل هذا القرار، سيزداد وظروفهم المعيشية ستتحسن بشكل كبير مع توفر مزيد من فرص العمل لهم، ما يُفاقم من هذه المشكلة المتفاقمة أصلاً. الأمر الذي يتضح معه أن وزارة العمل لم تدرك بعد أنه لا يمكن زيادة تنافسية العمالة المواطنة من خلال رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية فقط، وقد قمت بإجراء دراسة أظهرت بكل وضوح أن الاقتصار على رفع رسوم توظيف العمالة الأجنبية، لن يجدي في تشجيع وحدات القطاع الخاص على توظيف العمالة المواطنة وسيكون له تأثيرات سلبية خطيرة أبرزها التالية: 1 - كي يكون لرفع رسوم التوظيف تأثيرٌ ملموس على تنافسية العمالة المواطنة فإنه يلزم أن يكون هذا الرفع كبيراً جداً تتضاعف بموجبه رسوم توظيف العمالة الأجنبية عشرات المرات، ما يجعله من الناحية العملية خياراً غير قابل للتطبيق، باعتبار أنه سيُواجه معارضة قوية من قبل قطاع الأعمال، والتجربة البحرينية خير شاهد على ذلك. 2 - إنه حتى لو رفعت رسوم توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير، فستظل تكلفة العامل الأجنبي أقل بكثير من تكلفة العامل السعودي، ما يحد من جدوى هذا الخيار أصلاً ويجعل آثاره السلبية أكبر بكثير من تأثيره الإيجابي على فرص العمل المتاحة للعمالة المواطنة في القطاع الخاص. 3 - إن معالجة اختلال قوى سوق العمل من خلال رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية من خلال زيادة كبيرة في الرسوم المفروضة على توظيفها، سيترتب عليها زيادة كبيرة في أعداد العمالة المخالفة غير النظامية تفادياً لدفع رسوم التوظيف المرتفعة، ما يُملي ارتفاعاً في عمليات التسلل وهروب العمالة وتوظيف العمالة السائبة وتزوير الإقامات ورخص العمل والرشاوى، ونحو ذلك من مشكلات أمنية ونظامية خطيرة. 4 - سوف يترتب على رفع رسوم توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير ارتفاع في التكاليف التشغيلية لوحدات القطاع الخاص، ما يحد من قدرة منتجاتها على المنافسة محلياً وخارجياً ويُؤثر سلباً على ربحية هذا القطاع ويعيق نموه، بسبب طول فترة التكيف والتغير الهيكلي الكبير الذي ستحتاج وحدات القطاع الخاص إلى تبنيه بصورة تحمل أبعاداً سلبية خطيرة على مجمل الأداء الاقتصادي لفترة طويلة قادمة. لذا ولكي ننجح في تضييق الفجوة بين تكلفة توظيف العمالة الأجنبية وتكلفة العمالة المواطنة، فإنه لا بد من تشجيع القطاع الخاص على توظيف العمالة المواطنة من خلال برنامج يُعيد إلى القطاع الخاص كافة ما تم تحميله إياه من رسوم لقاء توظيف العمالة الأجنبية على شكل إعانة تدفع لقاء توظيف العمالة المواطنة ولا نكتفي فقط بزيادة رسوم توظيف العمالة الأجنبية على هذا القطاع.. ودون ذلك ستظل وزارة العمل تدور في حلقة مفرغة وتتنقل من قرار عاجز عن تحقيق أهدافه إلى آخر لا يملك أي فرصة للنجاح أيضاً، فيضيع وقتٌ ثمين وكان بالإمكان تفادي كل ذلك، لو كان ما يُتخذ من قرارات مبني على فهم واستيعاب سليم لواقع سوق العمل في المملكة. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam