الدُّربة أول دعامات الثبات, والفعل، والاستمرار، والزيادة..والسلامة، والإثمار... قديما كان الكبار يعلمون الصغارَ بتدريبهم، يبدأون بالمشي، والنطق، ليستقيم الأول، وليصحَّ الثاني.., ويفعلون بعد ذلك في شؤون كل ِّسلوك ٍ يُخضعون الناشئة له.., بدءا بطريقة الأكل، والتفكير، والجلوس، والإحساس.. وبلوغا بطريقة توظيف المشاعر.., وانفعالاتها، لتنمية كوابحها، كانوا يدربون على ذلك بغية تربية جادة، وتنشئة متينة.. وأخذ بذلك المؤدبون، والمعلمون، حيث يشرعون، بتناول شخص إنسان يكون بين أيديهم، لتدريب سلوكه، وفكره، ولسانه, وقدميه، ويديه.. منطلقين بهذا نحو تثبيت القيم السلوكية فيه..لتكون كل مسالكه حميدة، ويأمن نفسه فيما بعد، ويأمنه الآخر في مسيرة حياته... إن الإصلاح الاجتماعي يحتاج إلى تدريب شاق لسلوك الأفراد، ولأن الناس أقبلت على مشاريع التدريب، وأخذت تقيم لها المراكز، واللقاءات، وورش العمل، ولأنه في الوقت ذاته قد فسدت مسالك الغالبية من الناس، وبدأ فساد الأخلاق في العمل، والتعليم، والمال، والرفقة، والإدارة، والكتابة، والزمالة, والصحبة، والتطبيب، والتدريس، فإن من الأجدى أن توضع برامج للتدريب موضوعاتها إصلاح أخلاق الناس.. ولعله، مطلب قد يراه الناس ضربا من الخيال، ذلك لأن من يُقبل على دورة تدريب في كيفية إثراء دخله، أو تطوير مهارات تفكيره، أو الوقوف على قضايا إدارية, أو مالية، أو حتى كيفية تحقيق النجاح في أحد مشروعات حياة الفرد، لا أحسب أنه سيُقبل على امتحان نفسه،وتصنيفها ضمن المفسدين في مجتمعهم، المشاركين في فساد مؤسساته، ويعترف بأن ذلك ناجم عن فساد مسلكه، وضعف قيمه، وخلل سلوكه..., ذلك لأنه لن يعترف على نفسه بفسادها.. إلا القوي وحده، الصادق مع نفسه وحده، والقادر على فهم أبجدية الفساد وحده، هو من -ربما- يقُبل وحده أيضا على تدريب ذاته، أو الخضوع للتدريب من غيره..لهذا الغرض.. فإصلاح فساد مكنون المرء، هو النجاة مما نسمع، ونقرأ، ونرى، من خليط غثاء استشرى، يُفيض الحسرةَ إلى نفوسنا, ويشوه واقع الحياة من حولنا.. «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.».. وأسُّ التربية.., وقوام فلاح المرء.., إنما يكون بتعهده من الصغر تدريبا لتربية نتاجها مثمر.. لا يصيب بمرارة..!، ولا يشوِّه الواقع بفساد. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855