حين أقرأ ما يكتبه الآخرون عن الخطوط السعودية كنت أظنه من قبيل المبالغة، وأنّ المسافرين يفتعلون المشاكل من أجل الإساءة لموظفين مبتسمين ودودين، حتى اكفهرت ملامح أحدهم أمامي ونهرني، فذكّرني بذلك وكيل المدرسة الابتدائية التي درست فيها، الذي يختلف عن موظف الخطوط بعصا المكنسة التي يحملها، رغم أنّ الموظف كنسني بلسانه كما لو كنت مجرّد قشّة أمامه، لا مصدر دخل يستقي منه راتبه ومصروف أولاده!. وصلت إلى مطار الملك خالد قبل موعد الإقلاع بساعة وربع تماماً، لم أكن بحاجة إلى وقت أبكر من ذلك، خاصة أنّ حجزي ومقعدي مؤكدين، ورحلتي داخلية، وبلا عفش، بمعنى أنني سأقص كرت صعود الطائرة من الآلة وأذهب إلى بوابة الرحلة. وقفت أمام الآلات الواقفات كثمانية رجال مصلوبين، حاولت مع الأولى ولم تعمل، وقد كانت بطيئة جداً في تلقِّي الأوامر، ثم جرّبت الثانية التي قالت لي نفس العبارة: اذهب إلى صعود الطائرة أو إلى الموظف المختص. كنت قد أضعت عشر دقائق متوسلاً الآلات الجامدة التي لا تفقه، قلت سأكسب الوقت وأذهب إلى الآلات التي قد تفقه، كان الطابور طويلاً جداً، بمعنى أنني لن أصل إلى الموظف قبل الدخول في ال (45) دقيقة الخطرة، التي ستفقدني حجزي المؤكد، كان «السوبرفايزر» يوزّع المسافرين على موظفي «الكاونتر»، شرحت له مشكلتي وأنني بلا عفش، فتفهّم الأمر ووجّهني إلى أحد الموظفين الذي كان ينهي إجراءات مسافرين اثنين قبلي، حينما ناولته التذكرة نظر نحوي كوكيل مدرسة مكفهر الوجه، وسأل: أنت لم تقف في الطابور؟. ابتسمت وقلت له مداعباً: لا، ولو بيدي الأمر ما سافرت على السعودية! فأعاد لي التذكرة وقال: اذهب إلى آخر الطابور. ظننته يمزح، وداعبته من جديد، لكن السيد الموظف تجاهلني، وأشار نحو من وصله الدور في الطابور متجاهلاً وقفتي. كان: «السوبرفايزر» يرقب ذلك عن بُعد، وشاهدني أمد التذكرة للموظف المجاور له، فطلب من الموظف الآخر أن ينهي إجراءات سفري، لكن الموظف العنتري التفت وخاطبه كي يعيدني إلى الطابور، غير أنّ «السوبرفايزر» أشار بيده أن اهدأ. كنت أشعر أنه بحركة بهلوانية سيقفز من خلف الكاونتر متجهاً نحوي، ليأخذني من ياقتي سحباً إلى خارج الصالة. حينما صعدت إلى الطائرة وجدت أنهم عبثوا برقم مقعدي الذي حجزته منذ أربعة أيام عن طريق الموقع، فبدلاً من الجلوس في مقعد 30 وجدت كرت الصعود قد دوّن عليه المقعد 44 في ذيل الطائرة، وحين سألت المضيفة تأففت من تعامل الخطوط الذي يوقع طاقم الطائرة في حرج مع المسافرين!. قبيل الإقلاع كتبت أكثر من تغريدة عن الواقعة في صفحتي بتويتر، ففوجئت بعدد من المتابعين يكتبون عن معاناة عجائبية مع السعودية، إلى درجة أنني خجلت من مشكلتي، فمنهم من بقي 24 ساعة في المطار بعد إلغاء رحلته، ومنهم من سلكت رحلته وجهة أخرى غير الجهة المقصودة، ومنهم من فات موعده في مستشفى، أو الصلاة عن جنازة قريب ... إلخ. رغم ذلك، ورغم أنني تعرّضت لأخطاء من قبيل تعطُّل الآلات الإلكترونية لقص كرت الصعود، والعبث برقم مقعدي ومنحه لمسافر آخر، إلاّ أنّ إهانة الموظف الذي رفض خدمتي كانت الأسوأ، وهي الأغرب في جميع مطارات العالم التي مررت بها، وكنت أسأل نفسي: متى تمنح الخطوط موظفيها دورات تدريبية سلوكية في احترام المسافر، كيف تفهم موظفيها بأنّ العميل دائماً على حق، كيف تفهمهم بأنّ العميل هو من يبقي المؤسسة على قيد الحياة، وهو من يعرّضها للإفلاس؟