صدر نظام المؤسسات الصحفية عام 1383ه ليخلف صحافة الأفراد، وقضى بذلك على مبادرات فردية صبورة وعصامية بذلها الأدباء الرواد وحق لهم أن نقول في حقهم كلمة وفاء وعرفان؛ فلا يمكن أن ننسى جهد عبدالقدوس الأنصاري في مجلته «المنهل» التي أصدرها عام 1355ه؛ فقد خدمت الأدب السعودي خدمة جلى، ويجب أن نذكر بالخير مبادرة نخبة من أدباء جدة لإصدار جريدة «صوت الحجاز» بتاريخ 29-12-1350ه التي استمرت ممتدة إلى أن وصلت إلى اسم «البلاد» بعد تغييرات جذرية في ملكيتها وإداراتها، أو الأستاذ أحمد السباعي مؤسس جريدة «الندوة» التي استمرت إلى الآن، أو الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار في جريدته «عكاظ» المستمرة، أو الأستاذ حمد الجاسر في مجلته الشهرية «اليمامة» التي صدرت عام 1372ه ثم تحولت إلى جريدة أسبوعية ثم مجلة أسبوعية بالاسم نفسه، أو الأستاذ عبدالله بن خميس في مجلته الشهرية «الجزيرة» التي صدرت عام 1379ه ثم تحولت إلى أسبوعية ثم يومية، وهي هذه المدرسة الصحفية التي خرجت أجيالا من الصحفيين والكتاب. لقد رأى من كان معنيا بمتابعة الصحافة آنذاك ضرورة ضبط ما يصدر في تلك الصحف من آراء وتوجهات ونقد؛ بحيث يخدم المصلحة العامة، ولا ينطلق من مصالح فردية ذاتية خاصة، وهكذا أسدل الستار على نصف قرن من الجهد الصحفي المثابر والدؤوب الذي قدمه الرواد الأدباء، وابتدأ عهد صحفي جديد بعام 1383ه هو عهد صحافة المؤسسات؛ بيد أن ذلك النظام الذي صدر منذ ذلك الوقت أي ما يقرب من ستين عاما لم ينله تغيير كبير. ثم إن هذا النظام الصحفي العتيق قد أطاح بأفراد مؤسسين يملكون صحفا أنشأوها من الصفر وأتى بملاك جدد وأقعدهم على سدة هذه الصحف عمرا أطول بكثير من أعمار الأفراد المؤسسين في العصر الصحفي المنقرض! لم يحدث تطوير في نظام المؤسسات الصحفية يتيح فرص مشاركة الأجيال الجديدة في الوصول إلى رئاسات التحرير؛ إلا ما كان ضرورة عاجلة لسد فراغ مؤقت ثم يتم تثبيت المعين مثلا، ولم ينظر في ضرورة التغيير للتطوير ودفق دم جديد وتجربة جديدة بفكر مختلف، لذا ظلت كثير من الصحف تكرر نفسها على مدى عقود دون تطوير يذكر، وكان من الأولى تحديد مدة رئيس التحرير بأربع سنوات قابلة للتمديد لفترة أو فترتين حسب انتخاب أعضاء مجلس الإدارة والمشتركين في رأس مال الجريدة بعد تحويلها إلى شركة مساهمة. مازال الصحفي -مثلاً- معرضا لنوبة غضب قد تحدث أو عدم رضا قد يصدف من القيادي الأول في الجريدة قد تخرجه مع الباب دون حقوق ولا يسمح له بالدخول ثانية دون وجود نظام يحميه من هذا التعسف! إن رئيس التحرير -في حالات كثيرة- وفق نظام المؤسسات العتيق دكتاتور صغير لا يمكن أن يزاح! [email protected]