يبذل الاستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي عناية خاصة وجهوداً موفقة في توثيق ما يتصل بتاريخ الصحافة السعودية وتصحيح ما يقف عليه من اخطاء بهذا الشأن في بعض الكتب والصحف والمجلات. وقد كتب مقالاً في جريدة "عكاظ" بتاريخ 20 شعبان 1431ه بعنوان " الموسوعة العربية العالمية تخطئ في تاريخ الصحافة السعودية" وقد استعرض اسماء الصحف التي صدرت قبل عهد المؤسسات والتي تولى بيان تواريخ ومكان صدورها. وختم المقال بقوله: إضافة الى ما ورد من خطأ في الصحفة "49" - من الموسوعة - من أن تاريخ المؤسسات الصحافية يبدأ من تاريخ 1384ه -1964م وهذا أيضا ليس بصحيح فقد كان عام 1383ه -1964م فقد صدرت " البلاد" بجدة في غرة ذي القعدة 1483ه وكذا الندوة في مكة بالتاريخ نفسه في عهد المؤسسات .. الخ.." وفي تقديري أن القول : إن صحيفة "البلاد" صدرت في جدة عام 1383ه في عهد المؤسسات يبدو في ظاهره ودلالته انه تجاوز على تاريخها العريق الطويل في مواكبة مراحل النهضة الحديثة منذ توحيد المملكة على يدي الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله.وتأسيس "البلاد" وصدورها أصلاً من مكةالمكرمة عام 1350ه باسم "صوت الحجاز" وتوقفت عن الصدور عام 1360ه -1941م بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، واستأنفت الصدور بعد الحرب العالمية الثانية باسم "البلاد السعودية" وتولى إدارتها ورئاسة تحريرها الصحفي الرائد الاستاذ عبد الله عريف رحمه الله حوالي عشر سنوات من عام 1365ه حتى عام 1375ه وبعد أن ترك الاستاذ عبد الله عريف منصبه في "البلاد السعودية" تم نقل مقر الجريدة الى جدة وتولى رئاسة التحرير الاستاذ فؤاد شاكر رحمه الله الى ان اندمجت "البلاد السعودية" الى الاسم الحالي " البلاد" وبعد الدمج تولى رئاسة تحرير "البلاد" الاستاذ حسن قزاز رحمه الله إلى أن صدر نظام تحويل الصحف إلى مؤسسات، وهذا النظام أبقى على اسماء الصحف التي صدرت قبل صدوره ولم يجعل تواريخ صدورها متزامناً مع تاريخ صدوره ولذلك مازالت صحيفة "البلاد" تضع تاريخ تأسيسها في مرحلتها الأولى عام 1350ه ضمن ترويستها وكذلك تسلسل عدد السنين التي مرت على تأسيسها وهذا ماسارت عليه جريدة "الأهرام" اليومية الكبرى الصحف المصرية التي سارت على الالتزام بتسلسل تاريخها منذ البداية ومابعد تأميم الصحف المصرية وحتى العهد الحاضر حيث بلغت حالياً السنة 134 من عمرها الطويل . وكلنا يعلم أن جريدة "البلاد" تعتبر أول صحيفة يومية صدرت في المملكة وواكبت مراحل النهضة الحديثة. وموجز القول : إن جريدة "البلاد" مرت بثلاث مراحل وصدرت أساساً في مكةالمكرمة ثم انتقل مقرها في جدة وظلت تصدر بنفس الاسم ماقبل وبعد نظام المؤسسات الذي لا يعني صدوره انفصام الصحف ماقبل النظام عن سجلها وتسلسلها التاريخي وإنما اقتضى نقل الامتياز من ملكية الأفراد إلى ملكية المؤسسات. ولاحظت في مقال الأستاذ القشعمي أنه لم يرد ذكر صحيفة "قريش" التي أصدرها الأديب الرائد الأستاذ أحمد السباعي على شكل مجلة اسبوعية تعنى بشؤون الأدب والحياة، ويذكر الاستاذ عثمان حافظ رحمه الله في كتابه " تطور الصحافة في المملكة العربية السعودية" أن "قريش" صدرت في سنتها الأخيرة على شكل الجرائد وبحجم الجرائد العادية. وقد توقفت عن الصدور بعد صدور نظام المؤسسات الصحفية. وظل الاستاذ الكبير أحمد السباعي رحمه الله طوال حياته موضع التقدير والاحترام بصفته رمزاً ورائداً من رواد الصحافة والأدب، وقد لقب بشيخ الصحافة. وبعد استكمال ترتيبات إصدار "قريش" من نواحي الإدارة والتحرير والطباعة اختار الأستاذ السباعي أسماء مجموعة من الكتاب الذين يحسن الظن بهم ويرغب تعاونهم بتزويد "قريش" بإنتاجهم في المجال الادبي والاجتماعي وكنت ممن استكتبهم بموجب خطابه المؤرخ في 6/ 4/ 1379ه الذي مازلت أحتفظ به حتى الآن كشهادة أعتز بها من شيخ الصحافة الجليل. وقد ورد في مضمون خطاب الدعوة المشار إليه مايمثل قطعة أدبية جميلة تخاطب من وجهت إليه بقول: " إن دار قريش وهي تخطو خطوتها الجديدة في سبيل إصدار "مجلة قريش" تدرك إدراكاً تاماً أن مثل هذه الخطوة لا يدعمها التأييد إلا إذا صادفت قبولاً من شباب البلاد الناهض وتضافراً على مساعدتها في كافة نواحي الأدب لتستطيع إبراز مستوانا علمياً وفكرياً وأدبياً في صحفات مشرقة لا تخذلنا إذا اجتمعنا مجامع الأدب بسائر زملائنا في اقطار العروبة ، فهل يستجيب قلمكم لما نهيب فيساهم معنا بإنتاجه الأدبي الرفيع؟ إلخ.." ولاغرو أن يكون هذا أسلوب وتقدير شيخ الصحافة للكتاب وما يكتبون . وقد جعل مجلته منبراً لحرية الرأي والفكر. وذات مرة نشرت "قريش" مقالاً لأحد كتابها بمناسبة صدور ميزانية الدولة لذلك العام أبدى فيه ملاحظاته ووجهة نظره في بعض بنود الميزانية ومنها بند "شؤون البادية" وكان يرى أنه لا ضرورة لتخصيص ذلك البند في حين كانت البادية في تلك المرحلة لا تحظى بما تحظى به الحاضرة من مرافق وخدمات وقد كتبت في حينه رداً مغايراً لوجهة نظر الكاتب حول البند المذكور، وقد خشيت أن يتحفظ الاستاذ السباعي على معارضتي ويحجب المقال عن النشر. ولكن ماحصل كان بعكس ما توقعت حيث نشر مقالي في الصحفة الأولى من "قريش" دون أي مساس بنصه الحرفي، وإنما كان مذيلاً بتعقيب موجز من تحرير المجلة يقول " "هذا رأيك ننشره ونحترمه". وهذا مثال على مدى ما كان الأستاذ السباعي رحمه الله يوليه من عناية واهتمام بدعم حرية الرأي والفكر. ومن الجدير بالذكر أنه بعد العقود التي مضت والتطور الذي حصل وتتابع خطط التنمية التي شملت الحاضرة والبادية انتفى مايدعو الى تخصيص بند في ميزانية الدولة لشؤون البادية، وقد اصبحت جميع مناطق ومدن وقرى وهجر المملكة تنال نصيبها من المرافق والخدمات في جميع بنود الميزانية وخطط التنمية وتنعم بالخير والازدهار في ظل هذا العهد الزاهر. أدام الله على بلادنا ما من به عليها من نعمة الخير والأمن والاستقرار والازدهار.