منذ توحيد المملكة على يدي العاهل المؤسس المصلح الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله كانت نشأة الصحافة السعودية التي واكبت مراحل النهضة الحديثة، وبالامكانيات المتاحة في بدايات النهضة خطت الصحافة خطوات موفقة تؤسس لما بعدها من خطوات طموحة في موكب التطور الصحفي بعون الله ثم بجهود الرواد المؤسسين للصحف، ودعم وتشجيع الحكومة الرشيدة حتى وصلت الصحافة الى المستوى المرموق الذي وصلت إليه في العهد الحاضر الزاهر. وفي طليعة الصحف السعودية العريقة الرائدة جريدة (البلاد السعودية) التي اختصر اسمها بعد الى الاسم الحالي (البلاد) وقد تزامن تفتح ذهني على القراءة التي حببتني في التعامل مع الصحافة ثم ممارسة الكتابة في مرحلة الشباب مع صدور جريدة (البلاد السعودية) التي استأنفت الصدور بعد الحرب العالمية الثانية عام 1365ه. وتطورت من أسبوعية إلى أن صدرت بصفة يومية، وتعتبر أول صحيفة يومية صدرت في المملكة رغم عدم توفر الامكانات والوسائل التي تساعد على إصدار صحيفة يومية في تلك المرحلة، وقد تمت تلك الخطوة الطموحة بعون الله ثم بجهود مديرها ورئيس تحريرها الصحفي الرائد الاستاذ عبدالله عريف رحمه الله وتضافر جهود أعضاء أسرة تحريرها. وكما قيل (وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم). وللحقيقة أكرر القول أن جريدة (البلاد السعودية) كانت ملتقى الأدباء والمفكرين. كما كانت المنطلق لأصحاب المواهب الأدبية الذين أصبحوا فيما بعد من أصحاب الأسماء اللامعة في مجال الصحافة والادب. لقد تداعت إلى ذهني هذه الذكريات بعد أن اطلعت على ما كتبه الاستاذ عبدالله الصالح الرشيد في جريدة (الجزيرة) بتاريخ 4 من ذي القعدة 1429ه بعنوان (نصف قرن ومدرسة - الجزيرة - الصحفية منبع ومصدر المواهب الصحفية). وقد أشاد بتطور جريدة (الجزيرة) وخاصة في عهد رئيس تحريرها القدير خالد حمد المالك. كما ألمح إلى تطور بعض الصحف الأخرى وجهود القائمن على تحريرها ومنها جريدة (البلاد) حيث وصفها بقوله: "وفي عهد الأفراد وقبل صحافة المؤسسات تألقت واشتهرت صحيفة البلاد في عهد صاحبها حسن عبدالحي قزاز رحمه الله حيث استقطبت نخبة من الكتاب والأدباء من الشيوخ والشباب فتألقت واشتهرت بعطائهم أمثال محمد حسين زيدان وحسين سرحان ومحمد عمر توفيق، ومن الشباب عبدالله عمر خياط وعبدالله جفري وعبدالغني قستي وغيرهم. الخ". والحقيقة أنني اتفق مع الكاتب الفاضل فيما عبر عنه من تقدير وإعجاب بتطور جريدة (الجزيرة) وقد سبق أن عبرت عن تقديري لمستوى ونجاح (الجزيرة) في مقال نشر منذ شهر في هذه الصحيفة (البلاد) واعتز أنني كنت من كتاب بعض أعداد سنتها الأولى حين أصدرها الشيخ عبدالله بن خميس عام 1379ه كمجلة شهرية، وتابعتها حين أصبحت صحيفة أسبوعية، وهي موضع اهتمامي في عهدها الحاضر كصحيفة يومية تعنى بشؤون الفكر والأدب والمجتمع. وحين نذكر ما تميزت به جريدة (البلاد) في عهد الأستاذ حسن قزاز فلابد أن نذكر أن الاستاذ حسن قزاز كان يتمتع بالحس الوطني والصحفي والأدبي، وكان يمارس العمل الصحفي بكل ما يتعين على الصحفي المحترف من الدقة والاهتمام والالتزام وكان يشرف ويتابع شخصيا ليلاً ونهاراً خطوات إعداد وطبع الجريدة لتأمين توزيعها ووصولها إلى القراء في الوقت المناسب. فلا غرو أن يتحقق لجريدة (البلاد) ما تحقق من تميز وانتشار في عهد الأستاذ حسن قزاز رحمه الله ومنذ بضع سنوات سمعت من الأستاذ محمد علي حافظ يقول: حين اقدمنا - أي آل حافظ - على نقل جريدة (المدينة) إلى جدة كانت جريدة (البلاد) تتسيد الساحة، وهذه وجهة نظر خبير ومتخصص وممارس لمهنة الصحافة، وما ذكره كان عن عهد الأستاذ حسن قزاز رحمه الله. ومن الجدير بالذكر أن الاستاذ حسن قزاز رحمه الله لم يكن وحده في تلك الحقبة صاحب جريدة (البلاد) وإنما كان شريكا في الامتياز مع الشركة العربية للطبع والنشر التي كانت في الأصل صاحبة امتياز جريدة (البلاد السعودية) التي تم دمجها عام 1378ه مع صحيفة (عرفات) الأسبوعية التي يصدرها الأستاذ حسن قزاز رحمه الله، وحين تولى الأستاذ حسن قزاز رئاسة تحرير (البلاد) استثمر خبرته في شؤون الصحافة وعلاقاته الشخصية مع المسئولين والأدباء والمفكرين في سبيل تطوير الجريدة ورفع مستواها وتفردها في الساحة الأدبية والثقافية والاجتماعية. وذكر الكاتب الفاضل بعض من مارسوا الكتابة والعمل الصحفي في جريدة (البلاد) في عهد الشباب وهم: عبدالله عمر خياط، وعبدالله الجفري رحمه الله، وعبدالغني قستي، والحقيقة أن الأستاذ عبدالغني قستي ليس من جيل من ذكرهم وإنما كان من أسرة تحرير (البلاد السعودية) بمكة المكرمة ثم (البلاد) في جدة وفي عهد (البلاد السعودية) بمكة تولى الإشراف على تحرير صفحة (دنيا الطلبة) بعد الأستاذ عبدالرزاق بليلة. ويعتبر بالنسبة لمن ذكرهم في عهد الشباب بمقام الأستاذ. وهو بحق أستاذ في الصحافة واللغة والأدب. ومثال في النبل والتواضع. وقد كتب عنه الأستاذ حسن قزاز رحمه الله كلمة وفاء وتقدير في كتابه (أهل الحجاز بعبقهم التاريخي) بعنوان (أستاذي)، وهو جدير بأن يحظى بما يستحق من الوفاء والتكريم والتقدير.