الذين يتسلقون سدة الحكم دون تأهيل لا بد أن يرتكبوا الأخطاء، وكثير من هذه الأخطاء تكون جسيمة ويؤدي تواصلها إلى تراكم خطير في تراجع مكانة الدول التي يحكمونها. إيران نموذجاً لهذا النوع عن الأنظمة التي وجدت نفسها على رأس السلطة دون تأهيل أو إعداد، معظم الذين يديرون السلطة في إيران حصلوا على خبرتهم من ترددهم على الحوزات التي يتم تلقي العلوم المذهبية التقليدية التي تلقن مرتادي الحوزة أصول المذهب الاثنى عشري، وتزرع في عقولهم كراهية معتنقي المذاهب الإسلامية مكرسين خصوصية مذهبهم بغطاء عنصري فارسي؛ حيث زحف العديد من الممارسات الزرادشتيه والمجوسية على أفعالهم، والتي أصبحت من كثرة وقوة الاعتقاد بها جزءاً من أدبيات وأعراف المذهب والتي تأثر بها حتى معتنقي المذهب من غير الفرس. ولعل من أكثر السلوكيات والمعتقدات التي يلتزمون بها ويمارسونها، (مبدأ التقية) وعدم الثبات على ما يدَّعون الالتزام به من معاهدات واتفاقيات، فالكذب عندهم لتعزيز مصلحة مذهبية مبرر؛ خاصة إذا كان من الجهات التي يختلفون معهم مذهبياً. نظام الملالي في طهران نموذج معاصر لتطبيق هذا المسلك، فالتقية وعدم الإخلاص في الأفعال مع الغير والافتقار إلى الأمانة هو ديدن هذا النظام الذي اكتسب بهذا السلوك عداء جميع الدول المجاورة والمجتمع الدولي، فأصبح الأكثر قدرة على كسب الأعداء. تفقد الموقع الجغرافي لإيران تجدها في حالة عداء أو توتر، وفي أحسن الأحوال تشكك وتوجس في علاقات نظامها مع الدول المجاورة، فلا يمكن أن تعتبر علاقات طهران مع دول الخليج العربية حسنة ولا هي كذلك مع أذربيجان التي تشاركها نفس اللغة وعلاقتها مع باكستان غير مستقرة، أما تركيا التي حاول قادتها من الرئيس عبدالله غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو بناء علاقات طيبة وجسور من الثقة مع طهران، وفتحوا أسواق تركيا ومنافذها الحدودية لحركة التجارة وساعدوا إيران كثيراً لفك الحصار الاقتصادي الدولي المضروب على إيران، إلا أن ملالي طهران الذين يسعون إلى تنفيذ مخطط عنصري لإعادة رسم خارطة المنطقة بإحياء الإمبراطورية الصفوية، وجدوا في استقلالية تركيا ورفضها السير في هذا المخطط، ولأنها لم تساير ملالي طهران فيما يفعلونه من أعمال تخريبية وتدخل سافر في سورية والعراق، فإن الملالي عادوا إلى أسلوب الابتزاز والمقايضة حتى في المواقف التي تخدم المصلحة الإيرانية، وآخر ما قام به الإيرانيون والذي يفضح جهلهم في العمل الدبلوماسي والسياسي هو اقتراحهم بأن يكون مكان الاجتماع القادم للمحادثات النووية الأسبوع القادم بغداد أو دمشق أو حتى بكين بدلاً من اسطنبول..!! هذا الاقتراح الذي حتماً سيثير السخرية في العواصمالغربية يكشف جهلاً وحقداً يعشعش في عقول وأفئدة ملالي إيران؛ لأنه وإن بدا وكأنه مكافأة على موقف نوري المالكي المستمع الجيد لأوامر خامنئي، وأنه «قرصة أذن لتركيا» فإنه في الحقيقة لطمة لطهران التي ستواجه برفض مطلق من الغربيين الذين لن يقبلوا أن يجروا محادثات في إحدى الغرف الإيرانية..!!