يحار المرء حينما يتصدى للكتابة عن شخصية تتمتع بكل هذا الرصيد الوافر من التألق العلمي والثقافي والفكري والوجداني -كمعالي أ.د. عبدالعزيز محيي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام- في اختيار جانب واحد من جوانب هذا التألق فهو في الحقيقة «خوجة» في الجوانب -كما يدل على ذلك أصل هذه الكلمة، حيث تعني: «العالم»، أو «المعلم»، أو «السيد»، أو «الحكيم»، أو «الشريف». فهو أولاً: «خوجة» الكيمياء، حيث حصل على درجة «الأستاذية» في هذا التخصص العلمي البحث في كلية التربية بمكة المكرمة -وهي بالمناسبة أقدم كليات التربية بدول الخليج العربي قاطبة- وقد عين عميداً لها، ومشرفاً على فرع جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة قبل أن يتحول إلى جامعة مستقلة تحمل اسم «أم القرى» وللدكتور خوجة مؤلفات علمية عدة في الكيمياء وميكانيكية التفاعل. وهو ثانياً: «خوجة» في المجال الدبلوماسي.. حيث عين سفير للمملكة العربية السعودية في عدد من الدول: (تركيا: 1986-1992م)، و(روسيا الاتحادية: 1992-1996م)، و(المملكة المغربية: 1996-2004م)، و(لبنان: 2004-2009م). وكان خير سفير للمملكة في هذه الدول. وهو ثالثاً: «خوجة» في مجال الشعر والأدب.. حيث لم يستطع أي من المجالين السابقين، العلمي والأكاديمي بجديته وصرامته، والدبلوماسي بأعبائه والتزاماته أن ينأى به عن الفضاء الشعري والأدبي، فواصل إبداعاته الشعرية الرائعة في بلاد الغربة حتى وصلت مؤلفاته الشعرية إلى أكثر من عشرة دواوين: من بينها: «حنانيك»، و»عذاب البوح»، «بضرة المعنى»، و»حلم الفراشة»، و»الصهيل الحزين»، و»إلى من أهواه»، و»أسفار الرؤيا»، و»قصائد حب»، و»مئة قصيدة للقمر»، و»رحلة البدء والمنتهى»، و»ديوان عبدالعزيز خوجة».. هذا الرصيد الهائل من الإبداع الشعري جعل له انتشاراً جماهيرياً وأدبياً واسعاً في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فضلاً عن كونه شخصية اجتماعية محبوبة من الجميع. وقد نوقشت مؤخراً بجامعة الطائف رسالة ماجستير عن شعره عنوانها «التشكيل الجمالي في شعر عبدالعزيز خوجة» حصلت بها الباحثة على تقدير «ممتاز». كما كتبت عنه دراسات نقدية متعددة. ولقد شهد له المفكر الكبير الراحل أ.د. محمد عبده يماني -رحمه الله- بأنه شاعر رومانسي كبير له بصمة مختلفة عن غيره، وذلك حين أهداه ديوانه الشعري «رحلة البدء والمنتهى» حيث كتب يقول: ... فأنا أشعر أنه متجدد في مجال الرومانسية، وما عاد يجرؤ على إخفائها أو التورية عنها. وحتى كانت أصوات الحب التي يسمعها فهو يسمعها مختلفة عن بقية الناس، فهي عنده أغنية ترتحل من آه إلى آه، ورؤى تضيء من وهجها السماء، حتى عندما قسى عليه هذا الشعور أخذ يشكو إلى ربه، واعترف بأن لا مخرج له من الله إلا إليه. فأخذ يجأر ويصدح بأن الحب مرهون به. وهتف: وارباه.. لا أحد سواه! كما خلع عليه المفكر الكبير الراحل أ. عبدالله الجفري -رحمه الله- لقب «شاعر الصهيل الحزين» نسبة إلى أحد دواوينه المسماة بهذا الاسم، حيث أكد الجفري قدرته الكبيرة على التجديد في التراث الشعري، وإضافة طابع إنساني على الصورة يزيدها جمالاً، مشيراً إلى أن الحزن يطغى على أسلوبه، ومضيفاً: إنه الحلم الرائع الذي لا نهاية له ولا ضفاف. ويسمو بأدبه وخلقه وشعره ومشاعره. ويشير د. يماني إلى الروح الإسلامية الخالصة في إبداع خوجة الشعري قائلاً: «... كما أن مطولات د. خوجة تزدحم فيها وقائع بدر، وذكريات فجر الإسلام، وأنوار الصحابة، وسير المجاهدين، فيظهر في شعره أثر شوقي في نهج البردة»، و»سلوا قلبي» وغيرها من قلائد أمير الشعراء. ويحكي د. يماني قصة ولادة قصيدة من أبدع قصائده في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول: «.. ومن حسن الحظ أنني حضرت ولادة بعض القصائد من المطولات، وسمعته بنفسي وهو يرددها بسعادة غامرة. فقد كلمني يوماً من موسكو -عندما كان سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في روسيا الاتحادية- وأسمعني قصيدة كان مخاضها هناك بعنوان «لو أنهم جاءوك!، وفرحت بها، وأحسست أنها تنبع من وجدان مؤمن، وقلب محب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعوة صادقة للعودة إلى سيرته ومنهجه القويم، كانت بدايتها: لو أنهم جاؤوك ما شدوا رحالهم إلى جهة الضياع لو أنهم.... ما تاه ربان لهم أو ضل في يم شراع! ثم يواصل مناجاته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقول في صراحة ووضوح: لو أنهم جاؤوك لانبلج الصباح فيهم وما عاثت بوجهتهم رياح ما عفرت غربان شطر صهيلهم بالشؤم أو عضت على دمهم رماح ما ضج بين وجيبهم خوف تغمدهم وما زلت على نفس جراح إني أتيتك سيدي وبخاطري أوطاننا ودماؤنا -هدراً- يباح وللدكتور خوجة قصيدة رائعة قالها تحية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- يقول فيها: أعبد الله لا تخشى العوادي وحكمك ذاك ما سن الرسول وقول ناصع أصل وفصل وصدقك قاطع سيف صقيل وإنك في السلام أب رحيم وإنك في الوغى أسد صؤول وتدمع إن رأيت الطفل يبكي كأنك ظل والده الظليل وهمك أن يعيش الناس أمناً وتسهر عنهمو ليلاً يطول وهو أخيراً -وليس آخراً: «خوجة» الثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية، إذ قدم لنا نموذجاً فريداً في إدارته للمنظومة الثقافية والإعلامية لخصه أحد كتابنا أ. إبراهيم بن عبدالرحمن التركي في مقال له تحت عنوان «أي إنسان أنت؟! قائلاً: كسر عبدالعزيز خوجة ملامح الوزير المتجهم، المتبرم، المتورم، فانتصر الشاعر فيه على الرسمية، وغلب الذوق على الترسم، ولم يستعد أو يستعل، فكان قريباً لمن حاوره، ومن ناوأه، ومن اتهمه وزايد على دينه ووطنيته.. فلم يزد على ابتسامة ودعاء!». والحق أننا لا نملك إلا أن نردد مع كاتبنا أيضاً: «أي إنسان أنت؟!». والحديث عن منظومة الثقافة والإعلام في عهد وزيرنا المحبوب د. خوجة حديث ذو شجون.. فالمتأمل في مسيرة الإعلام السعودي -خلال السنوات الأخيرة- يمكن أن يخرج بنتيجة مفادها أن الأداء لوسائل الإعلام السعودي قد شهد ارتقاء بالممارسات المهنية، واستطاعت هذه الوسائل أن تتبوأ مكانتها اللائقة بها، وأن تستعيد دورها الرائد بين وسائل الإعلام العربية المتقدمة، حيث سعت إلى تلبية الاهتمامات المتعددة للمتلقين من خلال قفزات عالية تكاملت في سعيها لتطوير قدراتها المهنية لمواجهة المنافسة الكبيرة لوسائل الاتصال الإلكترونية.. ويرجع ذلك إلى أن المملكة وكافة مؤسساتها الإعلامية والثقافية أصبحت تبحث عن التميز والإبداع، خصوصاً فيما يتعلق بقضاياها المحلية. ويؤكد المسؤول الأول عن منظومة الإعلام في بلادنا على إدراكه الواعي لقيمة الإعلام وأهميته في المجتمع من خلال كلمته التي ألقاها في ختام فعاليات منتدى الغد، قائلاً: «لا أشك أن الإعلام هو المحرك الأقوى، والقوة الناعمة الرابعة الأساسية لتحريك كل شيء: سياسياً وثقافياً واجتماعياً. وما نشهده في هذا العالم من تحركات كان الإعلام المحور الرئيس لكل ما حدث. ويضيف: «الإعلام ليس للتمثيل الرسمي فقط للدولة، بل أصبح جزءاً أساسياً من المجتمع لتحريكه اجتماعياً وثقافياً وسياسياً بالطريقة الصحيحة». ويرى أن «الإعلام مسؤولية ثقيلة، ويجب أن تكون هناك إستراتيجية واضحة أمام المسؤول الإعلامي، وأن يكون هناك دائماً فريق متخصص في جميع البرامج التي ثبت، وأن يكون هناك تواصل مع العالم، وألا تكون جزراً معزولة». وحالة الحراك التي نشهدها في الساحتين: الثقافية والإعلامية في المملكة العربية السعودية، تؤكد على معنى واحد هو: أن الدكتور خوجة رجل من رجالات الأفعال لا الأقوال فحسب -كما وصفه أ. -حسن عسيري في أحد مقالاته- وهو من الرجال الذين أثبتوا جدارتهم في مرحلة التغيير التي يقودها خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- وهي مرحلة -كما يقول الكاتب- تحتاج إلى نوع خاص من الرجال الذين يتواءمون مع التحولات المحلية التي تحدث وستحدث. وهو أحد الأسماء المرنة التي تستطيع قراءة التحولات المطلوبة والتواؤم معها بقرارات تتزامن مع التطلعات الملكية، مضيفاً: «إنه أول وزير إعلام استثمر أدوات اتصال إنسانية حيوية في التواصل مع المجتمع من أسف إلى أعلى، ولم يتطلع إلى أدوات الوزراء السابقين في التواصل من أعلى إلى أسفل. فقد استثمر «الفيس بوك» الذي أحدث تحولات اجتماعية ثورية في العالم، ليعمل على إحداث تحوله الخاص من خلال التواصل مع الإعلاميين، فاتحاً المجال الافتراضي ليكون زميلاً لا وزيراً!». وعلى ذكر ال»فيس بوك» يحضرني الآن أن أحد أبنائي من طلاب قسم الإعلام بجامعة «أم القرى» استطاع من خلاله تواصله مع معاليه على «فيس بوك» إجراء حوار صحفي متميز تم نشره في صحيفة «منار الجامعة». واستشعاراً من معاليه لأهمية ما يعرف ب»الإعلام الجديد»، فقد أعلن مؤخراً عن إنشاء إدارة جديدة في وزارة الثقافة والإعلام بهذا المسمى، وذلك لمواكبة المتغيرات التي تطرأ على الساحة الإعلامية، وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيس بوك»، و»تويتر»، و»يوتيوب». ولأن الاعتبار دائماً ما يكون للغة الإنجازات -أو للأعمال لا للأقوال- فإن النقلة النوعية الواضحة في مجال الثقافة والإعلام منذ توليه مسؤولية هذه المنظومة الحيوية المهمة تؤكد على ذلك، فعلى سبيل المثال: في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث أعلن معاليه عن إطلاق أربع قنوات تلفزيونية جديدة، تم تدشينها بعد أسبوع من تاريخ الإعلان، لكني آمل أن تحرص هذه القنوات الرياضية في اختياراتها من المحللين والمعلقين خاصة أن التحليل الفني له أصول وقواعد وأسس بل يكاد يصبح علم في ذاته واستثمار تتسابق عليه القنوات الرياضية الإقليمية والعالمية. كما قامت الوزارة بتدشين ثلاثة استوديوهات جديدة مجهزة بأحدث الوسائل وفق المواصفات العالمية، وسوف تخدم الاستوديوهات الجديدة: القناة الأولى»، والثالثة الرياضية، والإخبارية، وقناة الأجيال التي تعتمد على برامج تهدف إلى تثقيف الشباب والأطفال من خلال المشاركة المباشرة والقصص العلمية. وقد تبنت وزارة الثقافة وفق إستراتيجيتها للمرحلة المقبلة: مهمة التطوير والتدريب بدءاً من الكوادر العاملة بالوزارة وفي مواقع مختلفة، وانتهاء بتحديث البرامج والقنوات الحالية، مع إطلاق قنوات متعددة تخدم المتلقي في المملكة والوطن العربي. وتسابق الوزارة الزمن لإحداث تغييرات شاملة، وتحديث لكافة القطاعات وفق خططها، خاصة في القنوات المرئية والمسموعة، بهدف استمرارية الثقة التي زرعت طوال العقود الماضية ما بين الإعلام السعودي والمتلقي، من خلال تقديم المعلومات والتحليلات الموضوعية التي تسهم في دعم ثقة المواطن بإعلامه وثقافته وانتمائه، مع الإفادة من التطورات والتقنيات الحديثة. كل التحية والتقدير للجيولوجي والكيميائي والأديب والشاعر والأكاديمي والتربوي والإعلامي والسياسي.. «الخوجة» في كل ميدان.. مع كل الدعوات الصادقة بمزيد من التألق والإبداع وأسأل الله أن يشفي قلبه كما أمتع قلوبنا قولاًَ وفعلاً وشعراً. - أستاذ الإعلام الجديد المساعد بجامعة أم القرى [email protected]