تذكّرتكِ نوارة حين لم يكن يثير سخطك أكثر، من غيبة الآخرين وإن كانوا خاطئين.. كنتِِ دوماً تذكرين بخلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الصفح والعفو، والستر، والتجاوز.. فحقوق الدنيا المفقودة كنتِِ تقولين، حين يُعفى عنها فإنها مكاسب في الآخرة.. ومكاسب الآخرة لا تنفد.. بينما مكاسب الدنيا إلى هباء.. نوارة،.. كثر الاجتراء على ستر الناس، وانقشعت عن أخلاق الناس غلالاتها.. لم يعد فيهم ذلك التوجه نحو العفو، والتجاوز، والصفح، والاحتساب.. ولا الخشية من التجسس، والاغتياب.. ولا الرغبة في الانتقام والتشفي.. ما من مجلس لا يبدأ الحديث فيه بذكر الآخرين، باللوك في ضعفهم، وعجزهم وبالتالي في أخطائهم، وزلاّتهم.. ولأن وسائل التواصل لم تعد مجالس الزيارات، واللقاءات وحدها، فقد انتقل الداء لتلك الوسائط.. سهل عليهم يا نوارة أمر الغيبة، والريبة، والبهتان، والنميمة.. يتباهون بمعرفة أكبر قدر من المعلومات عمّن يتحدثون، أو عمّا يقولون.. يصدقون، أو ينقلون، أو هم يكذبون.. في كل حالة، إنهم يتكاثرون.. مع أن اللسان الذي لا يكبحه صاحبه، سيكون يوماً ما الناطق بمآثمه.. أذكر أنكِ لمرة كنت أمامي قاسية، ما استتطعتُ تبريراً لكِ يومها، إلا حين استمعت لتفسيرك عن مآل المغتابين، إذ كنتِِ توجهينها تلك السيدة التي طرقت بابك لتخبرك أموراً عن جارتها، فأوقفت سيل لسانها، وكبحت زبده بقسوة.. عرفتُ فيما بعد أن للتعبير عن كلمة الحق، وصدق اليقين صوراً أخرى، في مواقف أخرى غير المخاطبة بالتي هي أحسن.. إذ لا تأخذكِ في قول الحق لومة.. نوارة،.. تهتكت أنسجة كانت متينة في أبنية أخلاق الناس عامة.. وانتشرت بينهم النميمة، والغيبة، والبهتان، والكذب.. وهم يجمّلون ما يقولون، ويبررون ما يفضون به.. ويتجمّلون بالصراحة وهي انفلات.. وبالصدق وهو اجتراء.. ويشاركون مع كل «جوقة» بعزف وطبل، وإيقاد نار.. لله در جيلكِ، الذي لم يبق في الحاضر من يشبهه.. إلا ثمة عدد كما النجوم الشاردة في الفضاء، تضيء في مكانها، ولا يلحق الثرى منه شيء.. إنهم يشبهون جيلكم، ولا يشبهونه.. كما هناك ندرة هم على النهج يسيرون.. ولكنهم قليلون.. رحمك الله ورحم جيلاً اتّبع الهدى، وامتثل للتعليم، وطوّع قدرته في مجاهدة النقص فيه.. وشغل نفسه بأفضل مما يشغلها به من شأن الآخرين.. ذلك التطهر، وغاية المتطهرين.. فبأي ماء أولئك سيغتسلون..؟