في المقال السابق تحدثت عن العلاقة الوطيدة بين اللوحة والكتابة، وكم هما جزء واحد لا يتجزأ، وفي مقالي هذا أودُّ أن أستكمل سياق الفكرة بدلالة الرمز المتخيلة لدى الشاعر، حيث الصور الارتجالية وعبثية الرموز في القصيدة. فمن المعروف والمألوف أن الشاعر يبدع القصيدة التي تحاكي تجربته وشعوره، ويكون هناك شيء محرك لمشاعره أو (الملهم له) - إن جاز التعبير - فتتحرك فوضوية التخيل لديه باستحداث العديد من الصور، ويكون الخيال أشبه باللمسة السحرية على القصيدة. حين نستبق القصيدة قبل كتابتها لدى الشاعر نجدها في كثير من الأحيان عبارة عن صور من الذاكرة أو خيالية تأملية أو رموز لوحة سريالية تحاكي قريحته، فنجده يراوح بنا بين الشعور الفني الصادق بصورة وما يسمى وجدانية شعور التجربة، فنمطية الإبداع لدى الشاعر مزيج من موازين القافية وجمالية الصورة ورموز لوحة. فالصور المتخيلة لدى الشعراء أكثر عفوية منها لدى الأدباء والروائيين، فعلاقة الشعراء باللوحة أقرب من علاقة الأدباء بها، فالشعراء هم أكثر قرباً وتلقائية في إخراج اللوحة المتكاملة بين أبيات قصائدهم وأشعارهم؛ نظرًا لاختزال الصورة أو اللوحة في بيت من الشعر، مما أعطاه جمالية فائقة في تنفيذ الإخراج للمنجز الجمالي، ويتجاوز بخيالاته حدود الواقعية في كثير من الأحيان. أما الروائيون فهم أشبه بالواقعيين حيث يكون (الملهم) لديهم تجاربهم والمحيط الذي يحتويهم، شأنهم شأن ذلك الذي يتحسس الحقائق من خلال سردها بنص قصصي قد لا يتجاوز مداركنا الخيالية، بيد أن الصور لدى الروائي سلسة متجاوبة جميلة كجمال زهرة الأقحوان العارية في صحراء مجمدة بمشهد مسرحي، مكبلة بإطار خشبي لتتستر خلف ستارة المسرح العتيقة. والفنان التشكيلي يجد ضالته في قصائد الشعراء، حيث الصور المتخيلة ورموزها، فهي مادة خصبة لإنتاج أعمال تشكيلية راقية ومميزة، تلمس شعور المرهف بالتجربة الصادقة، فيرسم من فرضيات، يؤمن بها الشاعر ويؤدلجها إلى لوحة تشكيلية، وأقرب مثال لنا مسابقة سوق عكاظ، لوحة من قصيدة هذه المسابقة التي أصبحت أشهر مسابقة تشكيلية في الوطن العربي، حيث اتسمت بالمنافسة العالية وفتح آفاق لدى التشكيليين للبحث والقراءة عما هو جميل وراقٍ من القصائد، لينتجها منجز تشكيلي رائع. ثمة تساؤل يعجبني..!؟ إذا كانت مسابقة سوق عكاظ لوحة من قصيدة: هل بإمكاننا أن نعكس المعادلة ونستحدث مسابقة شعرية تكون قصيدة من لوحة..!؟ لوحة قارئة الفنجان.. بحياتك ياولدى امرأة عيناها سبحان المعبود فمها مرسوم كالعنقود ضحكتها أنغام وورود والشعر الغجرى المجنون يسافر فى كل الدنيا أليست هذه لوحة في وجدان الشاعر نزار قباني - رحمة الله - قبل أن يكتبها كقصيدة..؟!