«لقد تعرضت لحادثين ومع ذلك سرعان ما عدت لقيادتها بعد شفائي مباشرة»، يضع حسن السيد الشاب العشريني يده على دراجته النارية التي يقول إنها «سيارته الصغيرة» التي توصله إلى العمل وتعينه على قضاء حاجياته، ويسأل: «ماذا كنت لأفعل من دونها؟». العلاقة بينه وبين دراجته تمتد لعام فقط، حين قرر حسن أن الدراجة النارية هي الوسيلة الأنسب والأرخص بعد الارتفاع الكبير في أسعار السيارات: «لا يمكنني دخلي من شراء سيارة ولذلك كانت الدراجة هي البديل الأنسب». يقول حسن إن الدراجة النارية حل مثالي لمن هم في وضعه لا سيما وأنها: «وسيلة مواصلات سريعة وعملية وغير مكلفة، وبالطبع فإنك معها لن تعاني من مشاكل الزحام». بالفعل، تشكل الدراجات النارية وسيلة النقل العملية الأرخص حاليا بحسب ناجي الصباحي الذي يعمل في واحد من أكبر محلات بيع الدراجات. ويقول ناجي الذي لفت نظره تزايد الإقبال على شراء الدراجات خلال الفترة الأخيرة: إن الأسعار تتفاوت بحسب النوع والمقاس والموديل: «تبدأ الأسعار من 2000 ريال وتتجاوز أحيانا المائة ألف. لكن الإقبال الأكبر يكون على ذوات السعر المتوسط الذي لا يتجاوز 10 آلاف ريال، غير أن هذا السعر لا يشمل تكاليف الاستمارة». حتى الآن لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول عدد الدراجات النارية المستخدمة في الشوارع، وليس هناك رقم واضح لحجم هذه السوق المتنامية، لكن يبدو أن استخدام الدراجات النارية سيلقى إقبالا غير مسبوق في مدينة مزدحمة كجدة، إذ كشفت دراسة متخصصة عن أن مشكلة النقل والمرور ستظهر بشكل أكبر في مدينة جدة عن غيرها من مدن المملكة خلال الفترة المقبلة بسبب غياب وسائل النقل العام وزيادة معدل التملك للمركبات. ووفقا لأمانة جدة فإن «أكثر من مليون مركبة عاملة على الطريق، وأكثر من 6 ملايين رحلة يقطعها السكان يوميا، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 10 ملايين رحلة في غضون الأعوام العشرة المقبلة». وتعزو الدراسات مشكلات النقل في جدة إلى «تزايد عدد السكان، فضلا عن تباعد مناطق العمل عن مناطق السكن، واستخدام المركبات بمعدلات عالية؛ حيث توجد 299 سيارة خاصة لكل 1000 فرد، في حين أنها في الرياض تشكل 233 سيارة لكل 1000 فرد». في مدينة جدة، تتولى شركة دلة مهمة تعليم ومنح رخص قيادة الدراجات النارية بالتعاون مع المرور. ويقول محمد، أحد العاملين في الشركة، إن الحصول على رخصة للقيادة يتطلب اجتياز الفحص الطبي والاختبار الميداني والداخلي: «لا نمنح رخصاً لمن هم دون 18 سنة. ومع ذلك يمكنني أن أؤكد لك ارتفاع الطلب على هذه الرخص. شهرياً نستصدر 70 رخصة في الأقل ويتم كذلك إصدار 160 استمارة ولوحة للدراجات النارية». في المقابل، يستسخف ثامر الأحمد، فكرة استخدام الدراجات النارية كحل بديل يضمن تخفيف نسب الزحام في شوارع مدينة كجدة: «صحيح أن أسعارها أرخص وحركتها أسهل وأسرع، لكن لن يتقبل المجتمع هذه الفكرة من الأساس. تخيل شخصا راكبا دراجة نارية وخلفه زوجته التي تحمل طفلها. سيشير الجميع إليه على أنه واحد من المختلين عقليا». يضيف: «لا يتقبل الناس لا سيما في تنقلات العائلة حتى وسائل النقل العام كالحافلات فكيف يمكن أن يطرح خيار الدراجة النارية؟». وبالفعل تؤكد الدراسات ما ذهب إليه الأحمد، إذ «تنحصر خدمة النقل العام في شبكة الحافلات العامة التابعة للشركة السعودية للنقل الجماعي على عدد محدود من المسارات من المدينة وإليها. وفي الوقت الراهن، لا تستخدم هذه الخدمة بشكل جيد، مما يشير إلى أنها لا تصل إلى الناس الذين يحتاجونها أو الأماكن التي تحتاجها، أو إلى أنها ليست مدمجة بما فيه الكفاية مع خيارات النقل العام الأخرى». وتشير أحدث التقديرات إلى أن استخدام الحافلات يغطي 4% من جميع الرحلات داخل مدينة جدة، بينما يغطي استخدام سيارات الأجرة 10%. ويمكن القول إن خيارات النقل البديلة بيئة يسيطر عليها التنقل بالسيارة. وفي الوقت الحالي تقول الإحصاءات إن ما يقرب من 86% من جميع الرحلات داخل مدينة جدة يتم بواسطة سيارات خاصة وأن 10% أخرى تتم بواسطة سيارات الأجرة وتمكن ملاحظة نتائج ذلك بوضوح في الازدحام المروري الذي تعانيه المدينة. مع ذلك، يبدو أن تنامي استخدام الدراجات النارية لا يروق للمهندس حسن الزهراني، أمين عام مراكز الأحياء بمحافظة جدة، الذي يدعو المرور لأخذ دور أكثر حزماً في متابعة ما يصفه ب «الإزعاج» الذي يتسبب به مستخدمو هذه الدراجات: «أكثرهم لا يراعون حرمة الشوارع والأحياء ويزعجون سكان الأحياء بدراجاتهم وأصواتها العالية حتى في أوقات متأخرة من الليل». ويدعو الزهراني إلى تعاون الجهات الأمنية ومراكز الأحياء والعمد لطرح تصور معقول يحدد أطراً واضحة المعالم لاستخدام هذه الدراجات وتقنين أوقات تجولها»، لافتاً إلى أن استخدام هذه الدراجات بكثرة يستلزم استحداث مسارات معينة لها: «حتى نحد من حوادثها الكثيرة والمميتة. إنهم يقودون هذه الدراجات الآن دون ضوابط كما تلاحظ». ويوافقه الرأي علي المصعبي الذي يذهب حد المطالبة بإيقاف الدراجات النارية حتى المصرحة منها: «هذه الدراجات النارية لا تصلح للاستخدام داخل المدينة. أنا شخصيا أفضل الزحام عليها. فقائدوها غالبا من المراهقين الذين يضايقون المشاة والسيارات. إنهم متهورون ولا يراعون الآخرين ويتسببون في حوادث مريعة». غير أن حسن السيد يرفض كل هذه الاتهامات: «غريب أن تعمم هذه الاتهامات. إنها وسيلة يمكن استخدامها في الصالح ويمكن استخدامها في أغراض أخرى. لكن ما ذنبنا نحن إذا كان بعضهم يسيء استخدامها؟». ولا تقتصر مشكلات الدراجات النارية على الإزعاج فيما يبدو، إذ يؤكد الملازم أول نواف بن ناصر البوق، مساعد الناطق الإعلامي بشرطة جدة «رصد أساليب إجرامية اعتمدت خططها على استخدام الدراجة النارية كعنصر أساسي في التنفيذ». ووفقا للبوق فإن الجرائم التي تستخدم فيها الدراجات النارية تتمثل في: «السرقات بجميع أنواعها والمعاكسات والنشل إضافة إلى الإيذاء والإخلال بالآداب العامة، كما تستخدم أيضا في الاتجار بالمخدرات والخمور»، لافتا إلى ما يصفه بالجهود المكثفة في هذا الجانب: «الدراجات المضبوطة أعدادها كبيرة. لقد كشفنا غموض العديد من الجرائم التي استخدمت بواسطتها، ومع ذلك لا بد من تكثيف دور الآباء التوعوي».