قلنا في المقالة السابقة أن الحكام العرب هم أكثر الحكام في العالم شغفاً بالرتب العسكرية التي دأبوا على (ابتداعها) من عندياتهم وارتدائها كيفما اتفق كما أنهم واستجابة لمرض الفوقية المتأصل فيهم قد اخترعوا (رتباً) تعلو كل الرتب المتعارف عليها في جيوش العالم لكي يتميزوا بها دون الآخرين ولم لا يفهم الذين اخترعوا رتبة (المهيب) ورتبة (العماد) ورتبة (العقيد الأخ!!) والأخيرة بالطبع هي اختراع ضابط صغير في الجيش الليبي كان يحمل رتبة نقيب أي (ثلاث نجوم) فقام بانقلاب مباغت على الحكم السابق في بلاده بمساعدة (12) ضابطاً صغيراً يحمل كل منهم رتبة ملازم، وحينما نجح الانقلاب واستتبت له الأمور (رقّى) نفسه بنفسه من رتبة نقيب إلى رتبة عقيد (دفعة واحدة). ولكي يميز نفسه عن أي عقيد في العالم فقد أصدر أمراً من عندياته أن يخاطبه الشعب بلقب الأخ (هكذا حاف!!) ليظهر لشعبه نوعاً من التواضع الكاذب الذي لم يستطع المحافظة عليه لأن الحس (الفوقي) المتأصل في ذاته كأي مسؤول عربي طغى على مسوح التواضع المزيفة لديه فاخترع لقباً ثنائياً يخصه فقط دون حكام العالم ألا وهو (الأخ العقيد) أو(العقيد الأخ) لا فرق لكي يرضي غروره من جهة ويحافظ على زيف تواضعه الوهمي من جهة أخرى. وهكذا مكث لأكثر من أربعة عقود من الزمان يوهم نفسه بهذا التوازن اللفظي مصدقاً ذاته بأن الشعب يعتبره (أخاً وهكذا سارت الأمور بين (الأخ وأخواته) إلى أن ضاق الشعب ذرعا بهذه الأخوة الكاذبة التي تُرتكب باسمها أبشع الفظائع ولذلك ثار الشعب على أخيه العقيد وبالطبع زعل وهدد وأوعد وأزبد وأرعد ولقب الأخ أخوانه (بالجرذان) هكذا (مرة واحدة!!) وطلب من بقية أخوانه الشعب أن يشدوا هؤلاء الجرذان ويطاردونهم من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت ومن زنقة إلى زنقة. ولكن سبحان مغير الأحوال. فمن وصفهم أخوهم السابق بالجرذان أصبحوا اليوم هم الذين يطاردون أخاهم (الفار) من وجه العدالة ويطلبون من بقية إخوانهم الذين سماهم الجرذان أن يطاردوه من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت ومن زنقة إلى (زنقة) ل(يشدوه) من (شفشوفته) أي كشة شعره باللهجة الليبية. ولعل المضحك المبكي في هذا المشهد الكاريكاتيري والذي يذكرنا بالمسلسل التلفزيوني العتيد (توم وجيري) هو أن وكالات الأنباء تتساءل اليوم عن مكان تواجد (العقيد الفار) الذي يبحث عنه من أسماهم قبلاً بالجرذان ليثبتوا له ولغيره من الحكام من هو الجرذ عدما يغدو الحاكم (فاراً) يطارده الشعب من زنقة إلى زنقة لأن الشعب أسمى من أن يوصف بالجرذان لأن الشعب الليبي البطل أثبت للعالم أن من وصفهم بالجرذان أصبح (فاراً) بل وفي قمة (الزنقة) ولكن هذه المرة باللهجة الخليجية!!.