برحيل شيخ الرياضة والرياضيين المربي الفاضل .. عبدالرحمن بن سعيد -غفر الله له -خسرت رياضة الوطن علما من أعلامها الكبار ومؤسسيها الأبرار وأركانها العظام.. ممن صنعوا التاريخ الرياضي وصافحوا يد التوثيق ببصماتهم الخالدة على مسيرتهم البنائية المثيرة للإعجاب التي امتدت (سبعين عاماً) بدءاً من عام 1362 -حتى عام1432ه قبل أن يصاب بمرضه العضال الذي ادخله العناية المركزة ثلاثة أشهر.. لتتوقف مسيرة وعطاء ومآثر ومناقب العقود السبعة الفارطة بموته...بعد أن أرسى قواعد البناء ودعائم التشييد معلنا قيام الحركة الرياضية الشاملة بالعاصمة (الرياض) بإرادة فولاذية وعزيمة صلبة ورغبة صادقه.. أطاحت بالعادات المجتمعية والمضايقات الثقافية والحواجز الفكرية التي كانت تحارب الرياضة وترفض مزاولتها في تلك الحقبة..! - بوفاة رائد الحركة الرياضية الأول ومؤسسها العملاق خسرنا رمزاً استثنائياً وعلما تاريخياً متنقلاً كان يسير على قدميه وينقل المعلومة من مصادرها التوثيقية.، كان فقيدنا الغالي يختزل في ذاكرته أرشيفاً ضخماً معلوماتياًُ عن أبرز الأحداث الرياضية وتحولاتها التي شهدتها الحركة الرياضية خلال سبعة عقود زمنية.، كنت أهاتفه -يرحمه الله -عندما أبحث عن المعلومة التاريخية الرياضية باعتبار أنه كان يشكل مصدراً أولياً في الأوعية التاريخية الموثقة وأكثر المؤرخين احترافاً في مضمار التدوين والحفظ والتثبيت، كان الرمز الراحل يملك ذاكرة قوية وذكاء فطري ينقل المعلومة كما هي في قالبها التوثيقي.أتذكر جيداً عندما أجتهد في نقل المعلومة التاريخية عن نجوم الأمس عبر (صفحة أوراق من تاريخنا الرياضي)، كان يرحمه الله متابعا وراصدا وضابطا.. يقرأ الملاحظات التاريخية بدقه فيبادرني بالاتصال مصححاً للمعلومة ومعقباً للكلمة بطريقة تشعرك بأنك أمام قامة عملاقة أدباً وخلقاً وعلماً وفكراً وثقافةً دون أن يجرح مشاعرك أو يقلل من عملك المهني، بل كان يدعمني- يرحمه الله -بآرائه المستنيرة ورؤيته التاريخية الرصينة عندما كنت أزوره أو أهاتفه لما يمتلكه من كنوز من الخبرات المتراكمة والتجارب المثمرة، فضلاً عن معاصرته لهذه الأحداث التاريخية الفارطة..كمصدر من مصادرها الأولية عبدالرحمن بن سعيد.. كان من الشخصيات الرياضية التاريخية التي تنتمي لفئة (الاستثنائيون) ممن قدموا لرياضة الوطن وعلى مدى 70 عاماً تضحيات جسيمة وعطاءات بارزة، ودعم كبير، قامت على أكتافهم رياضة المنطقة الوسطى، وتحديداً في ستينيات القرن الماضي في حقبة لم تكن الرياضة مقبولة عند المجتمع النجدي لاعتبارات دينية وثقافية واجتماعية.. كانت تنظر للرياضة أنها قيم وافدة وأفكار مستوردة وسلوك دخيل، غير أن الرمز الراحل نجح بعقله المستنير وحكمته المعروفة وأفقه الواسع في تغيير هذه القناعات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة عن الرياضة وأهدافها النبيلة. ويكفي -يرحمه الله- أنه أسس أكبر الأندية السعودية: الشباب والهلال ..فضلاً عن دعمه لمعظم الأندية الشهيرة كالأهلي والنصر وغيرهم.لم يقتصر اهتمام الرمز الراحل فقط للرياضة بل كانت بوصلة اهتماماته الإنسانية والأعمال الخيرية تتجه نحو بعض الرياضيين السابقين ممن أصيبوا بمرض أو تعرضوا لفاقة أو خصاصة فتمتد أياديه البيضاء كما هو ديدنه في مثل هذه الموقف النبيلة لتطوق أعناقهم وتخفف معاناتهم وتحد من قسوة معيشتهم، كما انفرد شيخ الرياضة والرياضيين داخل مضمار الكرم الحاتمي لما عرف عنه من شهامة وسخاء وعطاء وايثار، ففي كل يوم خميس كان -يرحمه الله -يفتح قلبه قبل بابه لزواره ومحبيه ويكرمهم ببشاشته المعهودة ونقاوة قلبه الكبير الذي اتسع حبا للجميع..! فضلاً عن طيبته المتناهية ومعاييره الاجتماعية الفضيلة، كما عرف عن فقيد الرياضة السعودية حبه للعلم والمعرفة كان -يرحمه الله -يحرص على توجيه أبنائه اللاعبين وحثهم على مواصلة التعليم ونهل المعرفة، بل إن كثيراً من اللاعبين ممن تألقوا في مضمار العلم والمعرفة يدينون بالفضل بعد الله إلى شيخ الرياضيين ومنهم أحمد عيد حارس الأهلي السابق، والدكتور صالح العميل، والنجم السابق محسن بخيت، والدكتور عبدالعزيز المصطفى وغيرهم.. كان من حبه للعلم وتشجيعه يذهب بنفسه إلى وزير التعليم العالي آنذاك الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله- ويشفع لأبنائه الرياضيين وغير الرياضيين لابتعاث المتفوقين منهم في تلك الحقبة حتى عاد الكثير منهم وقد تسلحوا بالعلم ونهلوا المعرفة من أعرق الجامعات العالمية. هكذا كانت خصاله الحميدة وسماته الرفيعة المتأصلة والمتجذرة في شخصيته (الاستثنائية) التي أجبرتني على الصعود إلى قطاره -غفر الله له-، والتنقل بين محطات حياته الرياضية، والإنسانية والاجتماعية، الأخلاقية والتاريخية..لأنه بالتأكيد يستحق لقب (الاستثناء) لإسهاماته البطولية ودوره الريادي الأحادي في خدمة رياضة وطنه الكبير. - رحم الله الشيخ عبدالرحمن بن سعيد، عاش إنساناًَ نقياً وفياً صادقاًَ محباً للجميع دون أن يخوض في حياته الرياضية التي امتدت سبعين عاماً معركة جدلية أو حرباً كلامية أو مناوشات فارغة مع الآخرين وحتى مع خصومه رغم ما طاله منهم من إساءة ومخاصمة وتجريح بالغمز واللمز ، لكنه- يرحمه الله - بقيمه الأخلاقية ومبادئه السلوكية وتنشئته الاجتماعية.. ظل شامخا صامدا كصمود الجبال في وجه هؤلاء المسيئين المفلسين ومن في قلوبهم مرضاً.. منطلقا من منهجه الإيماني، ومن القول المأثور ..(ليس من الحكمة صناعة الأعداء)، ..عزاؤنا لأسرة الفقيد وللرياضيين في وفاة شيخ الرياضة والرياضيين.. تغمده الله بواسع رحمته.