غيب الموت يوم الأحد الماضي.. صاحب السمو الملكي الأمير محمد العبد الله الفيصل رئيس النادي الأهلي - سابقا - وأبرز الرموز الكبار ممن دعموا مسيرة النادي الراقي سنوات طويلة.. بعد معاناته المرضية عن عمر يناهز 67 عاما - تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.. ويعتبر ( فقيد الرياضة السعودية) من الأسماء الوفية والشخصيات المؤثرة التي كان لها دور تاريخي في رياضة الوطن من خلال معاصرته أبرز إحداثها وتحولاتها عبر النادي الأهلي المخضرم.. وهو نجل رائد الحركة الرياضية الأول صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله - الذي خدم الحركة الرياضية السعودية 74عاما وممن قدمو لرياضة وشباب الوطن خدمات جليلة ومعطيات عظيمة وإسهامات تاريخية ستبقى محفورة في ذاكرة الوطن الرياضية وأخاديد الزمن.. الجزيرة وكعادتها مع الرموز الوطنية الوفية تستعرض جانبا من تاريخ الأمير الرياضي التربوي الراحل (محمد العبدالله الفيصل نتناولها عبر الأسطر التالية: عشق قديم عرف عن الأمير الراحل محمد بن عبدالله الفيصل (رحمه الله) حبه للرياضة وممارسته لأنواع منها خاصة كرة القدم منذ نعومة أظافره وتحديداً في حياته المدرسية إبان التحاقه بمدرسة النموذجية بالطائف في الخمسينيات الميلادية, واشتراكه في النشاطات المدرسية المختلفة, ولكن تولعه بالرياضة تأصل في وجدانه بصورة أكبر من خلال التصاقه بوالده صاحب السمو الملكي الأمير/ عبدالله الفيصل (رحمه الله) وزير الداخلية عام 1372ه (1952م) الذي أسس النشاط الرياضي عندما أنشأ جهاز التربية الرياضية والكشفية ليكون ملحقاً بمديرية الشئون التعليمية بوزارة المعارف, حيث أنشأ رائد الرياضة أول جهاز حكومي يناط به مسئولية تنظيم الإدارة العامة للرياضة البدنية والكشفية, قبل أن تنتقل إلى وزارة المعارف وتحديداً مع مطلع الثمانينات الهجرية من القرن الفائت, وأخذت الرياضة في عهد والده الراحل في الانتشار وقيام الأندية وتسجيلها رسمياً بعد مجئ حركة تصنيف الأندية وتسجيلها عام 80 - 1381ه. كان والده الأمير/ عبدالله الفيصل محباً للنادي الأهلي ودعمه كثيراً بعد تأسيسه على يد حسن شمس عام 1357ه.. ومع تواصل باني الأمجاد الأهلاوية واستمرار دعمه للكيان الأخضر شرب ابنه الأمير محمد العبدالله الفيصل في طفولته حب الرياضة وحب الكيان الأهلاوي وهو في عامه العاشر, حيث كان والده يأخذ (نجله) في بعض المباريات التي كانت تقام في جدة ومكة المكرمة, وهو يرتع في صباه عاشقاً للملاعب الترابية آنذاك ومن هنا تفتحت عيناه على الرياضة التنافسية وبدأ عشق النادي الأهلي الذي أحبه والده وأصبح الأهلي ومن عمق العلاقة أحد أبناء الأمير عبدالله الفيصل بدعمه القوي وعنايته المستمرة به, فتسلل العشق الأهلاوي إلى نجل رائد الرياضة (يرحمهم الله) وأصبح يسلك المسار ألانتمائي الذي سلكه والده وهو يدعم النادي بماله وأفكاره ووجدانه. وبعد أن بلغ العقدين من عمره الزمني أو يزيد استمر حضوره ونضج دعمه بداً من أواخر الثمانينات الهجرية إلى أن توفي يرحمه الله يوم الأحد الماضي. بعد أن ترك بصماته الإدارية والرياضية والتربوية والاجتماعية والأدبية الواضحة.. وقدم الشيء الكثير من الخدمات للوطن. شكل الأمير الراحل دعامة قوية بعد دلوفه بوابة الدعم الشرفي بصورة أكثر فعالية حيث دعم رؤساء النادي السابقين ومنهم صالح محمد حمد الذي رأس النادي عام 1389ه وعبدالله القمب عام 1392ه وعبدالمجيد يوسف عام 93 - 1394ه والأمير خالد العبدالله الذي اعتزل اللعب مع النادي ثم ترأسه عام 1395ه واستمرت رئاسته حتى عام 1400ه قبل أن يتولى فقيد الرياضة السعودية رئاسة النادي الأهلي لأول مرة عام 1401ه حتى 1403ه. خطط إستراتيجية عقب ترؤس الرمز الراحل النادي الأهلي في النصف الأول من عقد الثمانينات الميلادية, ركز يرحمه الله على وضع مجموعة من الخطط الإستراتيجية بغية صنع التفوق لقلعة الكؤوس, فوضع أولاً خطة للتدريب فاستقدم أفضل المدربين العالميين ومنهم البرازيلي الشهير تيلي سانتانا, والمدرب ديدي, وجلب أفضل اللاعبين الأجانب والمحليين وأشهرهم النجم التونسي طارق دياب وسدد ديون النادي وعقد العديد من الاجتماعات مع أعضاء الشرف, فرسم عملا متكاملا يجلب التفوق لقلعة الكؤوس, واستطاع الأمير الراحل بعقله المستنير وفكره الناضج وحنكته أن يقود أهلي زمان لتحقيق الإنجازات الذهبية خاصة وقبل رئاسته كان من أبرز الأعضاء الداعمين والمؤثرين في صنع إنجازات أهلي التسعينات الهجرية التي توج مسيرته الذهبية بلقب بطل الكؤوس. ومن أبرز الألقاب التي تحققت في عهد رئاسته فوز الأهلي ببطولة كأس الملك عام 1403ه أمام الاتفاق بهدف سجله نجمه الراحل أحمد الصغير رحمه الله وقد ضم النادي الأهلي في تلك الأيام الخوالي نجوما كباراً أمثال محمد المترو ومعتمد خوجلي ومحمد عبدالجواد ووحيد جوهر وصمدو وباسم وحسام أبو داود وأمين دابو وبندر سرور وقبل هؤلاء النجوم برزت أسماء ذهبية في حقبة التسعينات الهجرية وأشهرهم عبدالرزاق أبو داود وأحمد عيد وسعيد غراب وعبدالله يحيى وعمر راجخان وصالح عبدالكريم وسليمان الكبش وعلي عسيري, هذه الصفوة من النجوم قادت أهلي التسعينات للألقاب الذهبية ففاز ببطولة كأس الملك عام 1390ه أمام الوحدة بهدفين سجلهما سعد هدار وسعود سلمان, وقبل ذلك بطولة الدوري عام 1389ه بعد فوزه على الشباب بهدف سجله الكبش, وكأس الملك عام 1391ه أمام النصر فاز بلقبه بهدفين سجلهما سعيد غراب وسليمان مطر الكبش, ثم تلا ذلك كأس الملك أيضا أمام النصر عام 1393ه ووصوله لنهائي كأس الملك عام 1394ه وخسر أمام النصر بهدف سجله حسن أبو عيد, وعاد الأهلي من جديد لاسترداد لقبه الذهبي أمام الهلال عندما فاز عليه عام 1398ه فجمع الدوري والكأس لأول مرة في تاريخ بطل الكؤوس بدعم قوي ومباشر من أعضائه المؤثرين ومنهم الأمير الراحل محمد العبدالله الفيصل. المجلس الشرفي يعتبر الأمير الراحل محمد عبدالله الفيصل صاحب فكرة إنشاء وإقامة المجلس الشرفي بالنادي الأهلي كأول نادٍ سعودي ينشئ مجلسا شرفيا داخل أروقته وقد ضم هذا المجلس التاريخي الذي تبناه الأمير الراحل أبرز أعضاء الشرف بالنادي الأهلي أمثال الأمير خالد بن عبدالله الفيصل والأمير بندر بن خالد والأمير فيصل بن خالد والأمير خالد العبدالله والأمير سلطان الفيصل والأمير بدر بن فهد بن سعد والأمير عبدالله بن فيصل بن تركي والأمير بدر بن عبدالمحسن, وقد ساهم هذا المجلس الذي تأسس عام 1396ه بمبادرة احترافية من الأمير الراحل في صياغة وصناعة العمل الرياضي المنظم داخل البيت الأهلاوي فساهم في منح الفريق بطاقة الانتصارات الذهبية للدعم القوي والمباشر من رجالاته الكبار بعشقهم وحبهم وانتمائهم لناديهم الكبير. دعم متواصل بعد تركه رئاسة النادي عام 1403ه رشح الدكتور عبدالرازق أبو داود وظل أبرز الداعمين لهذه الإدارة الجديدة والحديثة يدعمها بالفكر والمال والمشاعر الوجدانية, وقد حققت الألعاب المختلفة آنذاك العديد من الإنجازات سواء في لعبة الطائرة أو اليد وغيرها من الألعاب أما لعبة كرة القدم فقد وصل الفريق نهائي كأس الملك عام 1404ه وخسر أمام الهلال, وفي عام 1416ه عاد الأمير محمد العبدالله الفيصل رحمه الله للإشراف على فريق القدم بعد تخليه عن منصب رئاسة النادي عام 1403ه واستمر مشرفاً حتى نهاية موسم 1423ه , وقد حقق الأهلي في عهد إشراف الغربية العديد من الألقاب الذهبية منها فوزه بكأس ولي العهد عام 1422ه وكأس الأمير فيصل في العام ذاته إضافة إلى بطولة الخليج للأندية عام 1423ه فقرر بعد ذلك هجران الرياضة وتفرغه للأعمال التجارية باعتبار أنه صاحب أملاك عقارية معروف في قطاع المال والأعمال وقد اشتهر سموه رحمه الله بأنه أنفق من جيبه الخاص ما يقارب 140 مليونا وقد أثمر هذا الدعم الكبير الذي امتد لأكثر من 40 عاماً في استمرارية تطور وتنمية أنشطة النادي الأهلي طوال العقود الماضية لاسيما حقبة التسعينات الهجرية التي أطلق على النادي الأهلي لقب قلعة الكؤوس. الرياضية المدرسية لم يقتصر نشاط واهتمام ودعم الأمير محمد العبدالله الفيصل لرياضة الأندية عبر بوابة عشقه الأول (النادي الأهلي) فقط لكنه كرس اهتمامه أيضا بدعم الرياضة المدرسية ففي عقد التسعينات الهجرية من القرن الماضي كان فقيد الرياضة السعودية يشغل منصب رفيع بوزارة المعارف (وكيل مساعد للشئون المالية والإدارية) ومدير عام البعثات الخارجية والعلاقات الثقافية في عهد معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وكان من أبرز الداعمين والمناصرين للرياضة المدرسية التي تعيش آنذاك وهجاً غير عادي، هذه الرياضة المدرسية نجوم كبار وأسماء لامعة ليس فقط على صعيد كرة القدم بل لكل الألعاب الرياضية المختلفة لأنه يرحمه الله كان ينظر للرياضة ليس فقط للتسلية والترفيه والترويح عن النفس إنما تكتسب أهميتها المعيارية والعلمية بالنسبة له وأبعادها النبيلة في الحياة الرياضية للبشر من خلال دورها المفصلي في التنمية البشرية وعلى البناء الاجتماعي فضلاً عن انعكاساتها على اقتصاديات الوطن تلك النظرة الثاقبة والقراءة الاستشرافية أتت ثمارها في عصرنا الحالي بعد أن تحولت الرياضة إلى ثقافة وصناعة واقتصاد ومعرفة وعلم يدرس بالجامعات العريقة فالرياضة أصبحت الآن لها شرائح في جميع طبقات المجتمع بدءاً من كبار المسئولين ومروراً بالشيوخ والشباب والأعيان والنساء والأطفال بمعنى أن الرياضة استطاعت أن تدخل كل بيت وكل مدرسة هكذا تحولت الرياضة وكما توقع الأمير الراحل الذي تقلد العديد من المناصب الرفيعة في قطاع التربية والتعليم. قيم أخلاقية عرف عن الأمير محمد العبدالله الفيصل مثاليته وحسن أخلاقه وسلوكه الرياضي الرفيع، وطيبته ونقاوة قلبه كان يتواضع عند الفوز ويبتسم عند الخسارة ويهنئ بنفسه الفريق الفائز بكل روح عالية وبنفس طيبة لا غرو من ذلك بالفقيد نهل من مدرسة والده الراحل الأمير عبدالله الفيصل العلوم التربوية والإدارية والرياضية فلم نسمع أنه أساء لأحد أو هاجم خصومه بل كان صاحب قيم أخلاقية وشيم تربوية ومبادئ سلوكية أكسبته احترام وحب الجميع له, عفر الله له. ابتعاث الرياضيين يؤكد عدد من لاعبي الأمس ومنهم د/ عبدالرازق أبو داود وأحمد عيد أن الأمير محمد عبدالله الفيصل عندما كان مسئولاً رفيعاً في وزارة المعارف وتحديداً في التسعينات الهجرية لعب دوراً مؤثراً في ابتعاث عدد من اللاعبين السابقين (معلمي تربية بدنية) وحتى مع غير الرياضيين.. ومن أبرز اللاعبين الذين ابتعثوا آنذاك ميزر امان لاعب النصر وحميد الجمعان لاعب الهلال سعيد بن يحيى وسعد خيرالله نجم سلة الشباب الراحل وفيصل بكر وعبدالحميد عبدالله وغيرهم من الرياضيين, وكان الأمير الراحل ينظر إلى ابتعاث أبناء الوطن هو الثروة الحقيقية لبناء الوطن وإقامة مشاريعه التنموية، كان ينظر للعلم أنه قاطرة التقدم وذراع التنمية وركيزة أساسية في تقدم المجتمعات لذلك ساهم يرحمه الله في فتح باب الابتعاث ودعم الكثير من الرياضيين وغير الرياضيين للابتعاث الخارجي ومنهم من واصل تعليمه العالي ونال أعلى الشهادات الأكاديمية ومنهم من عاد وصار يتبوأ مكانة وظيفية مرموقة يخدم وطنه بكل فكر واستنارة وعطاء. لم يكن اهتمامه يرحمه الله مقتصراً فقط بالرياضة والتعليم, إنما تعددت مواهبة مثلما تعددت مواهب والده باني الأمجاد الأهلاوية فقد اتجهت بوصلة اهتمامه أيضا نحو الشعر والأدب والثقافة, ورياضة الفروسية والقنص وأصبح متعدد المواهب كسلوك ورثه من والديه عفر الله لهما. هجران الوسط الرياضي كان من أقوى الأسباب وراء هجرانه للوسط الرياضي الذي أعلنه بصورة كانت مفاجئة للرياضيين وابتعاده نهائياً بنهاية موسم 1423ه ما كان يشهده الوسط الرياضي من إذكاء إرهاصات الاحتقان والكره والعدوانية والتراشق الإعلامي والتجاوزات غير الأخلاقية التي انتشرت داخل الحياة الرياضية ولما يشكل التعصب الرياضي من خطورة كبيرة على حياة الفرد والمجتمع كان يرحمه الله ومن مثالية وتنشئة اجتماعية سليمة ضد التعصب بأشكاله الذي يتنافى مع قواعد الضبط الاجتماعي والقيم الأخلاقية, كان يرحمه الله يحارب التعصب من خلال تصريحاته الهادئة وعباراته المثالية في التعاطي مع الأحداث الرياضية, وينادي بالمنافسة الشريفة بعيداً عن التعصب وألوانه الذي لا يولد إلا الكراهية العمياء للمتنافسين وكرر تحذيره من ذلك السلوك المرفوض الذي صار مع الأسف أحد البثور السوداء في وجه الرياضة الجميلة يشوه جمال المنافسة الصحية, مشدداً وقبل هجرانه الوسط الرياضي أن الرياضة رسالة لبناء العقول وتنمية أواصر المحبة والألفة وتعميق الروح والتواصل والحوار الثقافي فضلاً عن تعزيز القيم الأخلاقية, هكذا كان فقيد الرياضة السعودية مطالباً أن تكون رياضتنا بهذه السلوكيات المنشودة فقرر هجران الوسط الرياضي بعد أن قال كلمة الوداع غفر الله له. رحم الله الأمير محمد العبدالله الفيصل الرمز الكبير الذي صنع بفكرة المستنير ورؤيته المثالية وسلوكه الرفيع وأفقه الواسع.. ناديا نموذجيا أطلق عليه لقب النادي الراقي, واعتزل مناصبه وابتعد عن الوسط الرياضي دون أن يسيء أو يحرج أو يتطاول على أحد مستغلاً نفوذه ومكانته وقيمته الرياضية.