أكتب هذا المقال بعد قراءة عامود الدكتور الكاتب عبدالعزيز السماري (بين الكلمات) تحت عنوان (أخطار الكثافة السكانية في المدنة والقرى والصحراوية) تطرق من خلاله الدكتور عبدالعزيز إلى أهمية الهجرة إلى مدن الساحل وقارن بين أهالي الصحراء وسكان الساحل في السلوك والطباع؛ ودعا إلى وقف الاستثمار والنماء في مدن الصحراء وعدم تطوير عجلة النمو لديهم ولا سيما إنشاء الجامعات لأنها هدر مالي، حتى المهرجانات السياحية فإنها لن تزيل الطباع القاسية لأهل الصحراء.. وأضاف: إن الأمن المائي قد يكون كارثة قاتلة وأن حياتهم محفوفة بالمخاطر، ويدعو إلى تشتيتهم على مدن ساحلية، واقترح المنطقة الشمالية الغربية حتى ينعموا بالماء من البحار والغذاء من السفن والبواخر، ويرى أن انتقالهم يساهم في تقليل مصادر الفكر المحافظ والمتزمت ويعيشون حياة أكثر سعادة وهذا ملخص ما جاء في مقاله بالجزيرة عدد (14146) بتاريخ 1-9-1432ه ومن أراد المزيد فليرجع لأصل المقال. وأقول: إن هذا الخبر والاكتشاف (الخطير) قد جاء متأخراً فلا نزال نشهد نمو مناطق الوسط بنسبة أكبر منها في مدن الساحل مع الأسف، لكن لماذا لم يطرح الدكتور عبدالعزيز (فكرته) قبل سنوات ويزود وزارة التخطيط بنسخة منها حتى ترسم خططها في خطة تنمية الوطن، أما الآن وقد وقع الفأس بالرأس فلا أظن هذا مجدي، ولكن ربما تجد هذه الفكرة من يروج لها وتصبح قابلة للتنفيذ الجزئي، وهنا أنقل البشرى إلى أهالي المناطق الساحلية وخاصة الشمالية الغربية من حقل إلى أملج وأقول (جاك يا مهنا ما تتمنى) واستعدوا لوصول إخوانكم أهالي القصيم ورحبوا بهم وكونوا كرماء معهم وارحموهم في أسعار الأراضي والتي ربما تصل إلى أرقام فلكية (إذا حصل تشتيت أو تهجير كما قال الأستاذ السماري)، وارحموا قوماً ذلوا وأعياهم العطش وأعطوهم دروساً بالتسامح ولين الطباع وجلسوهم على البحار لعلهم يكونون أكثر مرحاً وأريحية. إن طرح الدكتور السماري يقرع الجرس المزعج ويولد الشكوك والاحتقان لدى سكان المناطق الداخلية وكأنها تعاني مشكلة جفاف، وينطبق عليه المثلان الشعبيان (يبي داويه وعماه) و(ليتنا من حجكم سالمين). وقد كنت أتمنى أن يطرح مسألة (الأمن المائي) وكيفية علاجها وأرى أن يكرس قلمه بالدعوة إلى توعية المواطنين في ثقافة الاستهلاك الراشد للمياه بدون إسراف يؤدي إلى الهدر المائي. وكذلك طرح فكرة زيادة محطات تحلية المياه على البحار ومد أنابيب تنقلها إلى الداخل بصورة مكثفة لمعالجة العجز في رصيد المياه الجوفية وقلة الأمطار السنوية والتي ندعو المولى عز وجل أن تكون أمطار خير وبركة ورحمة ويغيث بها البلاد والعباد عاجلاً غير آجل. أما عن أهالي المناطق الصحراوية والوسط وأنهم جفاة وحادو الطباع حسب رأي «السماري»، فأرى أنه من الممكن عمل دورات لهم في فن الأخلاق والتعامل مع الآخر ولا مانع أن تكون على البحار أو قرب بحيرات أو على ضفاف الوديان وإذا لم يتوفر ذلك توفير مناظر بحرية صناعية أو مرسومة مع إضافة عنصر «الضحك» في كل دورة حتى لا تموت قلوبهم -لا سمح الله- ويطردون التي لازمتهم كثيراً، أو تنشأ لديهم (كليات للسعادة والمرح) إضافة إلى رصد جوائز للأكثر ابتسامة حتى تنتشر بينهم ثقافة الابتسامة والفكاهة، ويعودون أولادهم على الأناشيد بالمدارس ذات اللجن الجميل، إلى جانب طرح مهرجانات خاصة بهم تحاول أن تفكك عقدهم وتدخل السرور (بالقوة) إليهم حتى يرضى أستاذنا الكريم. وأنا أتفق مع الدكتور السماري على أن هناك فوارق في طباع أهالي الصحاري والجبال والبحار لأن الدارس لجغرافية (الديمغرافيا السكانية) يشعر أن لكل بيئة نمط معيشي خاص حسب طبيعة تضاريسها ومناخها وموقعها ولكل منطقة (أكزيما) خاصة بها، ولكن يبدو أنها ذابت إلى حد كبير مع التواصل الحضاري ووسائل الاتصال وثورة المعلومات فتقلصت الفوارق قبل (40 عاماً) مثلاً والوقت الحاضر مع أنها لم تصل إلى مرحلة الاتفاق وهذا من الصعوبة بمكان لاسيما في القرى والأرياف الصحراوية البعيدة عن حضارة المدن. وأود أن أحيط علماً للكاتب أن بلادنا ليست الوحيدة التي تركز بعض مدنها وسط البلاد فنظرة لخارجة دول قارات العالم تجد أن هناك العديد من المدن بل العواصم في وسط البلد وإذا سلمنا بهذه الفكرة فرضا فهناك دول لا تملك شواطئ (غير بحرية) وكانت ولا تزال مدنها عامرة ومستقبلة للسكان وغير طاردة. فلا أعلم لما طرح الكاتب هذه الفكرة وهي (تشتيت سكان مدن الداخل) ولكن ما يشفع له أنه استدرك في مؤخرة مقالته قائلاً: ما أطالب به ليس تهجيرهم جميعاً من قراهم ولكن لتشجيع الحياة على الشواطئ) والذي جعلني أقف مع مقاله هو استعماله في البداية كلمة (تشتيت) وكان من الأولى بدلاً منها قوله تشجيعهم على الهجرة لمن يرغب وعمل حوافز دافعة؛ أما كلمة (تشتيت) فتحمل معنى قريباً من الطرد بصورة غير مباشرة وفيها شيء من صيغة الأمر الذي لا يليق مع أهالي الوطن والذين عرفوا بتقديس محافظاتهم ومناطقهم وحبهم لصحاريها وجبالها ووديانها وصارت جزءاً من نسيجهم الاجتماعي وضمن حكاية تاريخهم الماضي ويبدو أن الكاتب لم يقرأ للشعراء القدماء والمتأخرين والذين يعلنون حبهم للمكان الذي ولدوا وعاشوا فيه فيقول أحدهم: حي البلاد اللي هواها طبيعي ربيع قلبي يوم ذعذع هواها لاجيتها بالقيظ كنه ربيع من غير ثلج ينعش الكبد ماها كان انت يالبادي لشوري تطيع عليك بالذيدان ما أحسن غذاها ارحل بقفر خالي لك وسيع تمشي على كيفك وتتبع هواها ويقول آخر: حنا نشب النار في رأس عنقور بجروم عبلٍ ما تدخن حثنها وسلوم أهلنا ما سكينة على الفور والدين غايتنا تنابع سننها أما الثالث فيقول: يا حلو شوف البر بالمنزل الدمث الى اختلط عشب الوسامي وفقعه كثر الدبش والدر ما صار به لمث يطربك مرواح السحايب وصقعه بارض مساس حمضها خالطه رمث والجار ما طالب قصيره بقعه ومن وجهة نظري أن هجرة أهالي الصحراء إلى المدن الساحلية سيتيح الفرصة لحيوانات الصحراء المفترسة أن تتكاثر وتصبح تلك الصحاري بالوسط محميات طبيعية كبيرة نرى فيها الذئاب والضباع وغيرها والتي كان يزعجها ابن الصحراء وتزداد أعداد الضب والذي يعتبر وجبة شهية لرواد البراري حيث إن أهالي الصحاري سيقتربون شيئاً فشيئاً من عالم البحار حتى يألفون الأسماك وتصبح (الصيادية) الكبسة رقم (1) في موائدهم وأخشى أن يضعف الاهتمام بالتمور ولاسيما السكري لذا أدعو وزارة الزراعة إلى عمل تجارب من أجل زراعته في السواحل الغربية. وختاماً عفواً أخي القارئ على بعض هذه الأفكار التي يصيغها الخيال رداً على مقال الدكتور السماري المثير للجدل. وإلى اللقاء،،، رشيد بن عبدالرحمن الرشيد - الرس