ارتفاع أسعار الأراضي همٌ لدى البعض وفرحة للبعض الآخر، إذ لا يخفى على أحدٍ أن أسعار الأراضي بازدياد سريع جداً، مع أن مبررات الزيادة أصبحت غير مقنعة، ناهيك عن تلك المضار الاجتماعية والاقتصادية التي ستتفاقم من وراء هذه الأزمة، ولكن السؤال المهم الذي يجمع القاصي والداني عليه هو: ما سبب هذا الارتفاع الهائل في أسعار الأراضي؟ وفي وجهة نظري المتواضعة أن هناك أسباباً كثيرةً وراء تلك الزيادات السريعة وغير المتوقعة، لا أدري هل أبدأها بالمستثمر أم الدولة أم الأفراد، وإن من الظلم أن نختزلها في سببٍ أو اثنين متجاهلين غيرها من الأسباب المهمة التي ساهمت في تصعيد الأسعار، ولكن الأهم أن نكون صرحاء مع أنفسنا وواقعيين في الطرح لنخرج بالفائدة المنشودة وهي إيقاف ذلك الصعود الهائل بالأسعار. وبغض النظر عن تصنيفها فبعضها يصعب فرزه لتداخله إلا أنني سأسردها كالآتي: أولاً: أثار الصدمة القاسية من هبوط الأسهم، فبعد انهيار السوق أصبح كثيرٌ من الأفراد وبعض المستثمرين لا يثقون بالأسهم وانصرفوا لشراء الأراضي في وقتٍ متقارب فقد وجدوها الاستثمار الآمن مما أثر على معطيات العرض والطلب ليصعد بتلك الأسعار عالياً. ثانياً: توفر السيولة للأفراد وازديادها كل يوم، مما وجه تلك الأموال إلى العقارات عملاً بنظرية أن «العقار يمرض ولا يموت». ثالثاً: تمسك الكثير بعدم البيع وذلك انتظاراً لاعتماد نظام الرهن العقاري الذي يراهن بعض العقاريين أنه سيتسبب بزيادة أسعار الأراضي أكثر من 50 %. رابعاً: توسيع دائرة الإقراض من البنوك لشراء الأراضي للأفراد والتي تجاوزت 50% تقريباً. خامساً: ترقب قرار نظام تعدد الأدوار على الطرق التجارية فوق الأربعين متراً، والذي لا يزال تحت الدراسة منذ سنوات طويلة. سادساً: التمدد الأفقي للعمران وذلك بتحجيم الأدوار المسموح بناؤها على القطع السكنية مما أدى لجعل بعض المدن تصل لمساحات غير منطقية. سابعاً: إلغاء نظام المساهمات العقارية، مما جعل الخوض في جمع رأس المال للشراء والتطوير مهمةً صعبة. ثامناً: إحجام كثيرٍ من كبار المستثمرين عن تطوير الأراضي الخام بسبب طول الإجراءات لاعتماد المخططات، مما يجعل العائد للاستثمار قليلاً فيما لو قسم على السنوات التي تأخر بها اعتماد المخطط، ناهيك عن تأخر إيصال الخدمات. تاسعاً: تضييق النطاق العمراني مما حدَّ من عرض الأراضي الخام.. وجعل من يمتلك أرضا داخل النطاق العمراني يتمسك بها لأنه يعلم أنه بعيدٌ عن المخاطرة، وكلما مضى وقت تزيد قيمتها.. وبسرعة! عاشراً: وجود كثير من الأراضي الشاسعة المحيطة بالنطاق العمراني للمدن دون وجود خطة واضحة لاستغلالها. الحادي عشر: الشروط القاسية التي تطبق على المطورين الراغبين لتطوير أراضيهم الواقعة ضمن النطاق العمراني الثاني. الثاني عشر: تأخر البنية التحتية لكثير من الأحياء متمثلاً في إيصال الطرق والخدمات. الثالث عشر: زيادة الهجرة للمدن. الرابع عشر: غياب تنفيذ شبكة القطارات مما كان سبباً رئيسياً في صعوبة الهجرة العكسية وفوت استغلال معقولية الأسعار في تلك المناطق المحيطة بالمدن، ذات الأسعار المنطقية. الخامس عشر: ارتفاع معدل النمو السكاني. السادس عشر: تكثيف مشاريع الدولة التنموية بالمدن. السابع عشر: تأخر البت القضائي في كثيرٍ من المنازعات العقارية والذي كان سبباً خلف تعثر بيع بعض الأراضي إما لوجود خلافٍ عليها أو للتداخل أو لاختلاف ورثة ونحوها، مما كان له الأثر الفاعل في تقليل المعروض. الثامن عشر: تأخر إجراءات تحويل الأراضي داخل النطاق العمراني من زراعي لسكني. التاسع عشر: غياب مشاريع الدولة السكنية أو تأخرها، وعزوف الجناح الاستثماري للدولة عن الاستثمار في تطوير الأراضي الخام السكنية. العشرون: زيادة نسبة التضخم. أعتقد أننا جميعاً - مسئولاً أو مستفيداً - ساهمنا في تفاقم تلك الأزمة بشكلٍ أو بآخر إما بمشاركتنا المباشرة بإرادتنا أو بما أملاه علينا الواقع أو بالركض خلف مصالحنا الشخصية أو بسكوتنا، ولكن يكمن الحل جلياً بيد الدولة وليس بيد أحدٍ غيرها، علماً أننا لا ينقصنا المعرفة بالحلول وإنما الذي ينقصنا هو الجرأة في الحلول وتنفيذها حتى ولو لم يتقبلها البعض، وأن نضع كل المصالح الشخصية بعيداً عن أعيننا لنتحمل مسئولية الأجيال القادمة التي قد يكون من المكلف عليها تملك مسكنٍ هادئ وبناء أسرةٍ مستقرة. أسبابٌ وحلولٌ على عجل منها ما قد يكون له وزن أكثر من الآخر إلا أن جميعها تحتل وزناً في تفاقم الأزمة، ولكن المغزى هو أن نعرف تلك الأسباب لنخرج بخطة معالجةٍ شاملة لتلافيها، يتحمل فيها الفرد والمستثمر والمسئول والمنظمات الحكومية مسئوليته كلٌ بحسبه، ولكن: من يعلق الجرس؟!.