أدرك كما يُدركُ الجميع موقف الإسلام من المرأة من ناحية الحقوق والتكريم ولا أظن أننا بحاجة إلى إيراد الأدلة والشواهد على مكانة المرأة في الشريعة الإسلامية، وتكريم ديننا الحنيف لها وحفظه لحقوقها. والجميع يدركون تماماً الدور الجليل التي تقوم به المرأة في خدمتها لدينها ووطنها، وذلك من خلال مشاركتها الفاعلة في البناء والتنمية، حيث معظم المعلمات في المدارس والكليات هن من السعوديات، وكذلك الطبيبات والممرضات؛ حيث تكثف امتهان السعوديات هذه المهنة والإبداع فيها، والكل يُقدر هذا الدور الكبير الذي تقوم به المرأة وإمكاناتها وقدراتها في أداء الأعمال والمهام التي تمارسها، ناهيك عن التخصصات الجديدة التي بدأت المرأة في خوض غمارها مثل الإدارة المالية ونظم المعلومات الإدارية والتسويق. من وجهة نظر شخصية فإن صورة المجتمع الذي وضِعت فيه المرأة، هي صورة غير متفقة أو منسجمة في أغلب الأحيان مع حقوقها، ولا يوازن بين ما لها وما عليها، بمعنى أن القالب الاجتماعي الذي يحيط بقضية المرأة ويناقش حقوقها يعاني كثيراً من التشنجات والاختلالات في أصل القضية وليس على نوعية وطبيعة تلك الحقوق سواء كانت حقوقاً شرعية، أو اقتصادية، أو اجتماعية. والمرأة في مجتمعنا أصبحت حريصة على تعزيز قضيتها وإثبات حقوقها بنفسها وذلك من خلال حضورها للمناسبات الفكرية، والثقافية، والتربوية، ودفاعها عن حقوقها وواجباتها يستحق التقدير والاحترام، لأن هذا الدفاع يتم بطرق واقعية ولائقة لوضعها كسيدة محترمة في مجتمعها، والعكس نراه في المطالب التي يطالب بها بعض الرجال باسم الدفاع عن المرأة فتجد أن مطالبهم بحقوق المرأة تكون بعيدة المنال في ظل طبيعة أعراف وتقاليد مجتمعنا التي تعودنا عليها وتوارثناها جيلاً عن جيل. وفي العقدين الماضيين أصبحت قضايا المرأة تُشكل هماً كبيراً لدى بعض الكتاب والنقاد سواء داخل المملكة أو خارجها، فأصبحت المرأة لدينا مستهدفة استهدافاً كاملاً حيث يطالب البعض بتحررها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات، بالمقابل فإن أغلب الذين يقفون ضد أفكار هؤلاء النقاد والكتاب ويرفضون أفكارهم لا يجيدون الدفاع عنها بالشكل المأمول، فترى التشنجات أثناء طرح الأحاديث فيما بينهم، كذلك التعصب للرأي وإقصاء جميع الآراء، مما يجعلنا أمام تحديات شخصية فقط بين هؤلاء المتنافرين فكرياً وثقافياً. هنا أصبحت المرأة هي الضحية في هذا الصراع، ولا تدري إلى أي فريق تتجه، مما حدا ببعض السيدات أن يصبحن مستقلات في الدفاع عن حقوقهن وواجباتهن المشروعة. هذا التنافر والتباعد في فهم كل فريق للآخر جعل قضية حقوق المرأة في مجتمعنا معقدهً جداً، حتى أن البعض يريد إقفال هذا الموضوع نهائياً ولا يريد أحداً أن يناقشه سواء عبر الصحف أو الفضائيات، لأنه يعده من أكبر الموبقات، مما جعل الوضع لدينا متأزماً في شأن حقوق وواجبات المرأة. وحقوق المرأة في حقيقة الأمر لا تنحصر كما يحاول أن يروج لها في مسألة قيادة السيارة، أو الاختلاط مع الرجال في العمل أو مشاركتها في الانتخابات بل هي قضية إثبات قيمة مشاركتها في الحياة العامة وفقا للحقوق الشرعية وليس لمنظومة الأعراف؛ لأنها - الأعراف - بطبيعتها متحولة ومتغيرة، لكن الحق الشرعي ثابت، ويمكننا القول إن المرأة في مجتمعنا بحاجة إلى حقوق أهم وأسمى من ذلك خاصة فيما يتعلق بالحقوق الشرعية لها مثل مراجعة المحاكم، والقضاء بنفسها، بدلاً من التوكيل الذي تعمله وما سببه من مشكلات أسرية كثيرة، والتوسع في إنشاء الأقسام النسائية داخل الجهات الحكومية حتى تمكن المرأة من إيصال صوتها للمسؤول وتستطيع أن تحافظ على حقوقها، وكذلك سن الأنظمة والتشريعات التي تمكنهن من تسيير وإدارة أعمالهن، واستثماراتهن أسوة بما يتمتع به الرجال. ختاما فإن المبادرة لوضع الحلول والأنظمة هي أفضل بلا شك من أن ننتظر ضغوطاً من الواقع أو الآخرين لتسريع الوتيرة! فهل نبادر أم ننتظر الضغوط كالعادة؟