القرارات التي تمس المرأة السعودية في السنوات الأخيرة ليست قليلة ومتنوعة، طالت التعليم والعمل والحقوق والأسرة وغيرها، إلا أنها ومع ذلك تظل هي القضية الحاضرة دائماً بسبب وبدون سبب! ولعل هناك ثلاث قضايا رئيسية شغلت الرأي العام طيلة السنوات الماضية، وهي القضية الحاضرة دائماً (قيادة المرأة للسيارة) التي لا بد أن يتم حسم الأمر فيها من خلال عملية تدريجية تعطي المرأة حقها، وتحفظ للمتخوفين من عواقب اجتماعية تحفظاتهم من خلال سن قوانين وتشريعات مرورية من قبل الجهة التنفيذية، التي هي وحدها القادرة على إيقاف هذا الصراع المتجدد، ووضع حد لهذه القضية التي باتت تستخدم بشكل غير أخلاقي من قبل المتحمسين لها. بالإضافة إلى قضية صوت المرأة في الانتخابات البلدية، الذي قلت رأيي فيه سابقاً، وهو أن هذه هي المرة الثانية في السعودية التي يخوض فيها المواطنون الانتخابات، ولم تفت إلا دورة واحدة، وبالنظر إلى دول أخرى نجد أن المرأة عاشت عقوداً من الزمن ولم تحظ بالتصويت، رغم فاعلية تلك المجالس والانتخابات، وأنا بذلك لا أقلل من أهمية انتخاب المرأة، لأني لست أرى فيه أي مانع، لكني لا أتمنى أن يطغى على أولويات الانتخابات لدينا، وهي تفعيل هذه المجالس وزيادة صلاحياتها وانتخاب كامل أعضائها، إذ لاقيمة لمجلس غالبيته من الرجال أو النساء بلا صلاحيات تذكر. القضية الأخرى هي أقلها وأغربها وهو تأنيث المحلات النسائية، والغريب أن المحافظين هم من يعارضون هذا القرار في مفارقه عجيبة استعصت عليّ رغم قربي منهم، ومناقشتي لبعضهم، إلا أني إلى هذه اللحظة لم أستوعب سبب المعارضة بشكل منطقي! حياة المرأة العربية مربوطة بروابط معقدة وأسلاك شائكة، تداخلت فيها خيوط الحرير وأسلاك الحديد الجارحة، مما تسبب في تداخل يصعب فرزه إلا من خلال تشققات وآلام. ومما لا شك فيه أن ثمة قوانين وأحكاماً شرعية تخص المرأة دون الرجل، كما هي للرجل دون المرأة، كالميراث واللباس، مع أن الإسلام لا يفرق بين رجل وامرأة في التكاليف والواجبات، إلا أنه راعى التركيبات الفيسيولوجية لكل جنس. وإذا كان التفريق بين الرجل والمرأة أحد فوارق المجتمعات الشرقية الباقية بعد الثورة الأوروبية وما بعد الحداثة؛ إلا أنه يمكن القول إنه في مجتمعاتنا الإسلامية ثمة ضوابط شرعية مستقاها الدين الوحي ولا يمكن القفز عليها إلا من خلال نافذة نقد المقدس وإلغائه! ونحن نعيش اليوم ثورة في المراجعات الإسلامية والفقهية على وجه الخصوص، التي تنال المرأة فيها النصيب الأوفر، وهو جهد لا بد منه في ظل التداخل الديني بالاجتماعي، وإحلال الاجتماعي والقبلي مكان الديني. هذا التداخل العويص في مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص ينبغي أن يعالج بجرأة عالية، يتم من خلالها فصل الأعراف والتقاليد عن الدين، مع إمكانية الإبقاء عليها أو الدفاع عنها لمن هم متحمسون لها، بمعنى أن تبقى في زاويتها الحقيقية وهي الأعراف والتقاليد، وعدم الزج بها إلى زاوية المقدس الديني، لذا ينبغي ألا تأخذ قداسة ما هو ديني، ومن ثمّ يتم الزج بالأوامر الدينية ومحاولة تفكيكها على خلفية الاجتماعي! وهو ما يسعى إليه بعض دعاة تحرير المرأة اليوم. كما قلت في بداية المقال إن هناك تعقيداً لا يمكن فضه بسهولة في موضوع المرأة في المجتمعات العربية، وإذا كانت محاولات تحرير المرأة باءت بالفشل بسبب عدم فصلها في البداية بين هذه الإشكالية الدقيقة، فإن على الناشطين الإسلاميين أو الحقوقيين أن يدركوا هذه المشكلة، ويستعينوا بقيادات فقهية وشرعية موثوقة وجريئة قادرة على الفصل، ومن ثم الدخول إلى عالم الحقوق الضائعة لدى المرأة العربية، ابتداءً بالعضل والزواج والضرب والظلم وغيرها، بعيداً عن الشطحات والهلوسات التي يطلقها البعض، والتي لا يمكن قبولها كاجتهادات شرعية أو آراء فقهية. الوصول إلى إشكاليات المرأة في مجتمعات الخليج العربي جزءٌ منه يحتاج إلى فقه آليات تفكير هذه المجتمعات، ومحاولة فصل القداسة عن عاداتها التي ليس لها علاقة بالدين، ومن ثم تقسيم هذه العادات ومحاولة فهمها قبل التعامل معها على حسب ما ستجلبه من نفع وضرر للمرأة والمجتمع. إن ما نشاهده اليوم عبارة عن سباق محموم ليس لتحرير العادات بقدر ما هو إثبات لترويج أفكار وأيديولوجيات تتخذ من المرأة حلبة صراع معلنة، لكسب المجتمع الذي يتفاوت في تعاطيه لقضايا المرأة، وفق النزعة الموجودة فيه، سواء كانت تحررية أو تسلطية أو جنسية، لتدور الأيام وتبقى المرأة قابعة دون أن تستفيد من الرؤية الشرعية المنصفة للمرأة في مجتمع يلتزم بالدين كمسار للحياة الاجتماعية. ربما لو استطاعت المرأة أن تشكل رابطة تجمع تياراتها الفكرية المتنوعة للدفاع عن قضاياها الحقيقية بعيداً عن سيطرة الرجل وطموحاته لكان ذلك أجدى وأنفع للمرأة في إثبات ما هو حق لها في ظل شريعة الإسلام التي أنصفت المرأة.