ليس فيما يبتكره الشباب والشابات من تقليعات، أو حملات طريفة في ظاهرها، ما يدعو لإطلاق الضحكات وتمريرها دون أن يتفكّر فيها المتابع بدقة لمجريات ما طرأ من سلوك عام.. ذلك لأنّ مع انتشار الهاتف الجوال ومتاحاته من تبادل الرسائل، ومن ثم الصور، والمقاطع الصوتية، طرأت مستجدات في السلوك، وتغيّر مفهوم الحدود المرتبطة بالحياء، بوصفه سمة متجذّرة في أس الأخلاق الفاضلة التي هي قوام ذائقة الناس ورضاها.., بل هي شعبة من الإيمان..، وليس فقط ب «العيب» حين يكون مرتبطاً بالعادة الاجتماعية، أو قيم ثقافة الأفراد المتعارف عليها.. إذ تجاوز حينها الأفراد في نشر النكات, والرسائل، ومن ثم الصور، ومقاطع الصوت المتحركة، والصامتة جميع ما يرتبط بتلك الحدود، أو تلك العادات، إذ كانت لا تزال هناك قشور ضوابط، فما يكتب حينذاك لم يكن يجرؤ النطق به علناً، ثم تطوّرت الوسائل، واتسع نطاق الفسح لما كان مؤطراً بتلك الحدود، وتلك الثقافة القيمية، لتنكسر القشرة، ويتمادى الأفراد في ولوج عوالم فسيحة من الحرية في التصرف, والسلوك، قولاً وفعلاً..، وجاءت كثير من المستجدات، في شكل دعابات آخرها حملة الشبان ضد الفتيات، الموسومة «بصاحبات الركب السوداء»، ومن ثم حملة « أبوسروال وفلينة «، التي لم تقف عند حدود موقع شبكة التواصل الاجتماعي، بل تخطّت لأرض الواقع إذ خرج الشباب علانية، وجهراً في شوارع الرياض، وجدة وهم يرتدون الملابس الداخلية خدشاً للمارة، وإساءة لوقار الشارع، وكسراً لحدود الحياء، وخفر العيب الاجتماعي... وأذكر قبل أكثر من عقدين ونيف، حين بدأ انتشار ارتداء الثوب المصري « الجلابية « في الأسواق، ولحق به الثوب المغربي الخاص بالراحة في المنزل, ليصبحا منظراً لكثير ممن تقابلونهم في عرباتهم، أو عند أبواب بيوتهم، ومن ثم في البقالات, والأسواق المركزية, في شكل تساهل، واستخفاف بالسلوك الوقور، المهذّب، في الملبس، المفترضين أن يتوفرا في المظهر الخارجي للفرد، فقد تم تجاوزهما عند الحاجة السريعة، فلا يكن يبالي عندها أولئك من الأفراد أن يستبدلوا ملابس الراحة في البيت، للخروج بها أمام العامة، في الخارج، عندها أذكر أنْ كتبت، وكتب غيري عن بدء المطرقة في تلك الظاهرة، في دقِّ أبواب الذّوق، والحياء، بالاستخفاف باحترام ذائقة الآخرين، وخدش عيونهم ..، إذ في ذلك الخدش ما يشير إلى تبدّلات على الأقل ليست حسنة، إنْ لم تكن إساءة لمجتمع يقوم على أخلاق التبادل في الاحترام..، وأول هذا التبادل يكون في وقار المظهر الخارجي للمرء... إنّ الاستهتار الذي بدأ في سلوك الشباب الآن، ظاهره دعابة، ومدعاة للضحك، وفي باطنه الكثير من دلالات لا تبشِّر بخير..