يبدو أن الانحيازات التي سادت خلال فترة الحرب الباردة قد بدأت في العودة ثانية إلى منطقة جنوب آسيا حيث تجد الولايات نفسها الآن بحاجة إلى باكستان مرة أخرى بينما تطلع الهند باتجاه روسيا وكل ذلك بسبب أفغانستان تماما كما كان الحال في الثمانينات. إلا أن الفرق هذه المرة هو أن كافة الأطراف تفعل ذلك تحت اسم مكافحة الإرهاب. وأعلن الرئيس الباكستاني برفيز مشرف أمس الأول عقب المحادثات التي أجراها مع وزير الخارجية الامريكي كولين باول أن تعاون باكستان في الحرب ضد الإرهاب والتي تجري في أفغانستان «يؤذن ببدء عهد من العلاقات الثنائية الاوثق» مع واشنطن. وفي الوقت ذاته تقريبا وقبل ساعات من وصول باول إلى الهند، أعلن في نيودلهي أن رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فجبايي سيزور موسكو في الرابع من شهر تشرين الثاني نوفمبر لمناقشة الأحداث التي تجري في أفغانستان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال باول للباكستانيين إن العلاقات بين بلادهم والولاياتالمتحدة سيكون لها «أساس متين». وجاء هذا التأكيد ليطمئن باكستان التي شعرت بالمرارة عندما تخلت عنها الولاياتالمتحدة بعد استخدامها نقطة انطلاق في الحرب غير المباشرة ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في الثمانينات والتي ساهمت في انهيار ما كان يوصف «بإمبراطورية الشر» . وحتى الشهر الماضي فقط، كانت وكالة الاستخبارات المركزية تجد في باكستان «أسوأ الصفات جميعا». ولكن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المراكز العسكرية والمالية الحساسة في الولاياتالمتحدة في الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي غيرت من هذه النظرة، وعادت باكستان، التي لا زالت تئن تحت الأعباء التي خلفتها الحرب في أفغانستان والتي امتدت 20 عاما ودعمتها الولاياتالمتحدة، لتكون دولة على الخط الاول للتحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب. أما بالنسبة للهند، فإن باكستان نفسها هي دولة راعية للإرهاب. وتصف الهند الصراع من أجل الانفصال والذي يدور في الجزء الواقع تحت إدارتها من إقليم كشمير المتنازع عليه، بأنه إرهاب عبر الحدود يتم برعاية باكستان في حين تطلق عليه باكستان اسم «كفاح من أجل الحرية». ونشبت بين الدولتين ثلاثة حروب منذ عام 1947، اثنتان منهما بسبب إقليم كشمير المتنازع عليه، ويشعر العالم بالقلق نظرا لأن هذه المنطقة أصبحت نووية بعدما قامت الدولتان الغريمتان في عام 1998 بإجراء تجارب على الأسلحة النووية. وبعد شهور من الهدوء النسبي، أثارت الهند مخاوف من تفجر الوضع عندما قامت مدفعيتها بقصف المواقع الباكستانية على خط الهدنة المسمى بخط المراقبة الذي يقسم إقليم كشمير إلى شطرين هندي وباكستاني في وقت متأخر يوم «الاثنين» قبل وقت قصير من وصول وزير الخارجية الامريكي كولين باول إلى باكستان. وقال البريجادير بي.سي.داس قائد القوات الهندية في كشمير «إن هذا القصف هو إجراء عقابي ضد باكستان لقيامها بتسليح وتمويل المتشددين الذين يقومون بعملياتهم في المنطقة الواقعة تحت إدارة الهند في كشمير». إلا أن المحلل نسيم زهرة قال في إسلام أباد إن الهند كانت بهذا تقول لباول إن باكستان ليست جزءا من حل مشكلة الإرهاب بل هي جزء من المشكلة. وحتى قبل وصول باول الى نيودلهي، أبدى الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش رد فعل إزاء تصاعد التوتر في كشمير، حين قال للصحفيين في واشنطن «من المهم للهند وباكستان أن تتوقفا عن الاقتتال أثناء نشاطاتنا في أفغانستان، وربما إلى الأبد».