الرقم او العدد عملية لفظية تختص بحساب الاشياء وحصرها ومعرفة مقدار كمياتها وامكن التعبير عنها «اي الارقام» برسوم كتابية متعددة اختلفت اشكالها عند مختلف امم الارض وحضاراتها، ومرت كتابة الارقام بسلسلة من التغيرات واعمال التطوير حتى اتخذت الاشكال والصور الكتابية التي نشاهدها في الوقت الحاضر. عكست عملية تطور اشكال الرسوم الكتابية للارقام المستويات الحضارية ودرجة التقدم العلمي عند الامم والشعوب، فالحضارات الاكثر تقدماً ورقياً انتجت «او استخدمت» صوراً كتابية للاعداد والارقام تتصف بكونها اكثر عملية وجودة ودقة في الاداء وذلك من منطلق ان المعايير التي تبنى عليها عملية التمييز بين اشكال كتابية للارقام واشكال اخرى لها انما هي: اولاً: سهولة الكتابة والقراءة فالرقم الذي يعبر عنه برمز كتابي واحد افضل حالاً من الرقم الذي يعبر عنه برمزين او اكثر. ثانياً: قدرة «رسم الرقم» على التعبير عن ذلك الرقم في المنازل العددية المختلفة مهما تكرر ذلك الرسم في اطار صف من الأرقام يطول او يقصر. ثالثاً: مناسبة رسم الرقم او «صورة الرقم» لمختلف انواع العمليات الحسابية، وامكانية اجراء العمليات الحسابية بتلك الصور الكتابية للارقام بكل دقة ووضوح. اصبحت الدولة الاسلامية - في عصر ازدهارها - اكثر الحضارات العالمية اهتماما باستخدام الارقام لفظاً وكتابة وذلك لعدة اسباب اهمها: 1- ارتباط الكثير من العبادات وانواع القربات بعملية العد والحسب وتحديد النسب، وقد شملت عمليات العد قضايا الوقت والزمن، وقضايا المكان والمسافات، وقضايا الكميات والمقادير من اطوال ومكاييل وموازين وغيرها. 2- تطور اعمال الادارة والشؤون المالية لدى الدولة الاسلامية وحاجة الدولة الى ضبط امورها المالية من ايرادات «كالخراج مثلاً» ومصروفات وتأسيس الدواوين المختلفة للقيام بهذه المهمات واستخدام العمليات الحسابية على نطاق واسع. 3- ازدهار وتطور اعمال البحث العلمي، سواء في مجال علم الرياضيات في حد ذاته او في مجالات العلوم والمعارف الاخرى كعلم الفلك ونحوه. اعتمد المسلمون - في بداية الامر - في تدوين حساباتهم على طريقتين اولاهما: التعبير عن الاعداد بالكلمات فيقال «ستمائة وثلاثون ديناراً» عندما يراد التعبير عن ذلك الرقم. وثانيهما: الطريقة المعروفة بطريقة حساب الجمل، التي اقتبسها المسلمون عن الساميين، وتقضي هذه الطريقة باعطاء كل حرف من الاحرف الهجائية رقما يدل عليه ووضعوا جدولاً خاصاً بهذا الأمر يتكون من الاحرف والارقام المقابلة لها. وكانت الطريقتان السابقتان - كغيرهما من الطرق التقليدية الخاصة بكتابة الاعداد - تحملان الكثير من السلبيات والمشكلات سواء في الكتابة او اللفظ او عند اجراء العمليات الحسابية اذ يحتاج الامر الى كتابة جملة طويلة من الأرقام والاحرف للتعبير عن رقم صغير. لقد اتاحت عملية الانفتاح العلمي - التي مارسها المسلمون - على نتاج جميع الحضارات السابقة والمعاصرة لهم، اتاحت للمسلمين الاطلاع على كل مالدى تلك الامم والشعوب من اساليب وطرق حسابية او رياضية ومن ذلك معرفة الاعداد قراءة وكتابة. اطلع المسلمون على حساب الهنود فأخذوا عنهم نظام الترقيم - فقد رأوا انه افضل من النظام الشائع بينهم - اي نظام الترقيم على حساب الجمل - وكان لدى الهنود اشكال عديدة للارقام، اختار المسلمون منها شكلين اساسين بعد ان هذبوهما عرف الشكل الاول بالارقام الهندية ويأخذالصورالآتية: «1. 2. 3. 4. 5. 6. 7. 8. 9 .0». وانتشر استخدام هذه الارقام باسم «الارقام الغبارية» وتتخذ الاشكال التالية: «0. 9. 8. 7. 6. 5. 4. 3. 2. 1». وقد انتشر استعمالها في بلاد المغرب الاسلامي بما في ذلك بلاد الاندلس وقد دخلت هذه الارقام الى اوروبا عن طريق تلك الجهات وعرفت فيها باسم «الارقام العربية». وحول الارقام العربية يقول قدري طوقان:«وليس المهم هنا تهذيب العرب للارقام وتوفيقهم في اختيار هاتين السلسلتين او ادخالهما الى بلاد اوروبا بل المهم ايجاد طريقة جديدة لها - طريقة الاحصاء العشري - واستعمال الصفر لنفس الغاية التي نستعملها الآن». وكان الهنود يتركون الخانة التي ليس بها رقم فراغاً، ثم استخدموا لذلك شكلين مكتوبين هما «0»،«0» وعبروا عنها بكلمة «سونيا» اي الصفر وخصص «ليوناردو» الفصل الاول من كتابة «Liber Abaci» عن الارقام العربية فقال:«ان الارقام الهندية التسعة هي:987654321 وبواسطتها جميعا، علاوة على تلك العلامة «0» التي تسمى الصفر العربي فانه يمكن كتابة اي عدد مهما كان». وقد ابان الخوارزمي موقع الصفر في عمليات الجمع والطرح، والمزايا التي تعود من وراء وضع الشكل الذي يمثله في الخانات الفارغة. قدمت المستشرقة الالمانية «زيغريد هونكه» رأيها في دور المسلمين في اختيار وتطوير ونشر الارقام ذات الاصل الهندي فقالت:«ولسنا نحن الالمان الناس الوحيدين في هذا، فكل الامم المتحضرة تستخدم اليوم الارقام التي تعلمها الجميع عن العرب - ولولا تلك الارقام لما وجد اليوم دليل تليفونات او قائمة اسعار او تقرير بورصة ولما وجد هذا الصرح الشامخ من علوم الرياضة والطبيعة والفلك. بل لما وجدت الطائرات التي تسبق الصوت، او صواريخ الفضاء. لقد كرمنا هذا الشعب الذي من علينا بذلك الفضل الذي لا يقدر بثمن، حين اطلقنا على ارقام الاعداد عندنا اسم «الارقام العربية» ولكن العرب انفسهم يؤكدون، انهم قد اخذوا ارقامهم عن الهنود، وهم يسمونها بالارقام الهندية». لقد هدفنا من العرض السابق الى بيان دور المسلمين في البحث عن ارقام تتصف بالسهولة والدقة والوضوح تلائم حركة التقدم العلمي الذي كانت تشهده مختلف البلاد الاسلامية، وان دورهم لم يتوقف عند اكتشاف واختيار افضل الارقام الموجودة من ناحية اللفظ والكتابة، بل عملوا على تطويرها كتابة واستعمالاً. ومما سبق يتضح وجود سلسلتين مختارتين من الارقام وهما سلسلة الارقام «الهندية» وسلسلة الارقام «العربية» والان يأتي دور طرح السؤال الذي من اجله كتب هذا المقال: ايهما انسب في الاستخدام «الارقام الهندية » ام «الارقام العربية»؟ علماً اننا في المملكة نستخدم الارقام الهندية. واجابة عن السؤال السابق نجد ان كلا المجموعتين تتفقان فيما بينهما في بعض المزايا ويتبع ذلك انفراد الارقام العربية بمزايا اخرى اضافية تجعلني احد الداعين الى استخدامها بدلاً من الارقام المتعارف عليها باسم «الارقام الهندية». وبخصوص المزايا المشتركة بين المجموعتين «مجموعة الارقام الهندية ومجموعة الارقام العربية» «وكما اشار الى ذلك قدري طوقان في كتابه العلوم عند العرب» هي: انها تقتصر على عشرة اشكال بما فيها الصفر ومن هذه الاشكال يمكن تركيب اي عدد مهما كان كبيراً. ومن مزايا الارقام العربية «او الهندية»: انهما تقومان على النظام العشري وعلى اساس القيم الوضعية بحيث يكون للرقم قيمتان: قيمة في نفسه، وقيمة بالنسبة الى المنزلة التي يقع فيها. كما ان من اهم مزايا الارقام المذكورة ايضاً، ادخال الصفر في الترقيم واستعماله في المنازل الخالية من الارقام. تنفرد الارقام العربية بمزايا اخرى اضافية تجعلها - في نظري ونظر الكثيرين - افضل في الاستخدام من الارقام العربية التي تستخدم في الوقت الحاضر في بلادنا وفي عدد آخر من البلدان العربية الاخرى. ومن مزايا الاحرف العربية ما يلي: 1- وضوح رقم الصفر في الشكل والحجم بدرجة تماثل بقية الارقام حيث يتخذ شكل دائرة كاملة، وهذا الوضع افضل عشرات المرات من الصفر في مجموعة الارقام الهندية المتمثل في نقطة واحدة لا تكفي لشغل منزلة او خانة رقمية في كثير من الاحيان لصغر حجم النقطة، ووجود تفاوت كبير بينها وبين بقية الارقام الاخرى في المجموعة من ناحية الحجم وكثيراً ما حدثت اشكالات بسبب اختفاء نقطة الصفر لاي سبب من الاسباب وخصوصاً في الوثائق الرسمية، والتواريخ والمستندات المالية. 2- ان الصفر في مجموعة الارقام العربية لا يماثله اي حرف من احرف الهجاء العربية، او اي رقم آخر، بينما نجد الصفر «النقطة» في مجموعة الارقام الهندية يماثل النقطة المستخدمة مع بعض الاحرف الهجائية، كما انها «اي النقطة» تكتب عادة في نهاية كل جملة وكثيراً ما حدث اللبس بينها وبين الصفر عندما تكتب الاعداد بعد اتمام جملة من الجمل الانشائية المعتادة. 3- تتصف الارقام العربية حالياً بصفة العالمية حيث باتت تستخدمها اغلب امم الارض ، ولاسيما الدول الاكثر تقدماً في المجالين العلمي والاقتصادي وعودتنا الى استخدامها في كتاباتنا يزيد درجة التفاعل والتبادل العلمي والاقتصادي بيننا وبين تلك الامم المذكورة. 4- نعاني في الوقت الحاضر من ازدواجية الارقام حيث نكتب حساباتنا في بعض الاحيان بالارقام الهندية ونتبعها - في بعض الاحيان - بالارقام العربية لايضاح المطلوب والتحول الى استخدام الارقام العربية يرفع عنا تبعات هذه الازدواجية في كتابة الارقام. 5- اعتادت بعض المؤسسات والهيئات داخل البلاد - رغم قلتها - على استخدام الارقام العربية من منطلق قناعتها بمزايا استخدام هذه الارقام ومن تلك الهيئات بعض المؤسسات الصحفية والبنوك والشركات وغيرها. انني في نهاية هذا المقال اتوجه بنداء خاص الى مقام وزارة التخطيط في المملكة العربية السعودية لدراسة المقترح الداعي الى استخدامنا للارقام العربية بدلاً من الارقام الهندية واتخاذ الاجراء المناسب الذي يعين المجتمع بأكمله على التحول الى استخدام الارقام العربية التي اختارها وطورها ونقحها الاجداد لما لها من مزايا عديدة على بقية الصور والاشكال الاخرى التي تكتب بها بقية الارقام في العالم وحبذا لو بحث هذا الامر على مستوى هيئات ومنظمات اقليمية كمنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة التربية والثقافة والعلوم الاسلامية، وغيرها لمناقشة جدوى تعميم طريقة استعمال الارقام على جميع البلدان الاسلامية.