إن أجمل هدية قدمها العرب للعالم هي الحرف "x" الذي أصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول في علم الجبر، وأصله الكلمة الاسبانية xay تلفظ "شي" المستعارة من كلمة "شيء" العربية التي ترمز للعدد المجهول في كتب الجبر العربية القديمة. في العام 1857 اكتشف في مكتبة جامعة اوكسفورد نسخة من ترجمة لاتينية مخطوطة من القرن الثالث عشر لكتاب الخوارزمي عن الحساب. كانت هذه الترجمة هي النسخة الوحيدة التي وصلت الينا من هذا الكتاب الذي يعتبر أول كتاب من نوعه جاء فيه شرح للنظام العشري للأرقام. هذه الترجمة تبدأ بالكلمات الآتية: "Dixit Algorismi..."، أي "هكذا قال الخوارزمي...". ثم أصبح اسم الخوارزمي في أوروبا مقابلاً للكلمة التي تقال للحساب، أو العمليات الحسابية. وكان استعمال الأرقام العربية الهندية الأصل والصفر مثار سجال ايديولوجي دام ثلاثة قرون في أوروبا ضد هذه العمليات الحسابية الجديدة. كانت العناصر المؤمنة بالتغير تدعم النظام العربي الجديد. لكن معظم التجار والمحاسبين وقفوا ضد هذا النظام، لأنهم اعتادوا على النظامين اليوناني والروماني المتخلفين. وقد روّج الرجعيون في أوروبا ان النظام العددي والحسابي العربي انما هو من وحي الشيطان وان ممارسي هذه الرياضيات هم سحرة ودجالون! يُنظر بهذا كتاب Number تأليف John Mcleish. وتجدر الاشارة الى أن ما يسمى بالأرقام العربية هي في الحقيقة أرقام هندية، بنوعيها المشرقي والمغربي أو الشرقي والغربي. ومع ان كتاب الخوارزمي القرن التاسع الميلادي يعتبر أقدم مصدر لها، إلا أنها ابتكرت في الهند قبل ذلك ببضعة قرون. وفي القرن السابع الميلادي، قبل الخوارزمي بقرنين، كتب راهب سوري يدعى سيفيروس سيبوخت Severus Sebocht معرباً عن اعجابه بالهنود بالمقارنة مع اليونانيين والبابليين: "سأصرف النظر عن كل مناقشة حول علوم الهندوس... واكتشافاتهم البارعة... تلك الابتكارات التي تعتبر أبرع مما جاء به اليونانيون والبابليون، وطريقتهم البارعة في الحساب، ونظامهم العددي الذي يعز على الوصف. وأود ان أقول فقط ان حسابهم قائم على تسعة أرقام ليس إلا". ولا بد ان هذا النظام بدأ في الهند قبل ذلك بمرحلة طويلة كما يقول أحمد سيدان، وربما وصل الى سورية عن طريق التجارة. ومع ذلك لا توجد عنه اشارة في الكتابات الهندية قبل الخوارزمي، مما قد يعني ان التجار ورجال الأعمال ابتكروه واستعملوه في حين لم يكن للمثقفين علم به. وأقدم كتاب عربي عن الحساب وصلنا كاملا هو حساب الأوقليدسي، أحمد بن ابراهيم، في القرن العاشر الميلادي. هذا الكتاب يشرح النظام الهندي في الحساب ويشير الى طريقتين أخريين، هما: حساب الاصابع، والنظام الستيني. في كتابه هذا يحدثنا الاوقليدسي عن هذه الطريقة الهندية التي تدعى بالطريقة الغبارية، لأنها تستعمل بنثر الغبار أو الرمل على اللوح والكتابة بالاصبع أو بعود على اللوح، ثم يمسح الغبار حول العمليات الحسابية وتبقى النتيجة فقط. وكان العرب يسمون هذه اللوحة "تختاً"، وهي كلمة فارسية. لكن هذا لا يعني ان العرب أخذوا هذا النظام الحسابي من فارس، بل لعلهم أخذوه عن طريق فارس، كما يقول أحمد سيدان. ومن المعروف ان للسومريين والمصريين القدماء والرومان أنظمتهم العددية. لكن هذه الأنظمة كانت معقدة. اما النظام الهندي فيستعمل تسعة رموز فقط للدلالة على الأعداد من الواحد الى التسعة، ويستعمل الصفر للدلالة على العشرة. وعن طريق استعمال المنازل يمكن كتابة أي رقم مهما كان كبيراً. وقبل ذلك كان للبابليين نظام المنازل، لكن حسابهم كان ستينياً وعشرياً أيضاً. ولا يزال النظام الستيني البابلي يستعمل في علم المثلثات والهندسة. اما النظام العشري مع العمليات الأربع الجمع، والطرح، والضرب، والقسمة، والجذر التربيعي للأعداد والكسور الكاملة، فيرجع الى أصل هندي. وتم تحسين هذا النظام على يد العرب أو المسلمين بكلمة أدق. فالاوقليدسي يحدثنا عن الانتقال من استعمال الطريقة الغبارية الى الحبر والورق، بحيث يمكن مراجعة الحل. ويقول الاوقليدسي إن هذا الانتقال من الطريقة الغبارية الى استعمال الحبر تم في دمشق في القرن العاشر الميلادي من دون ان تكون بغداد على علم به. ومع ذلك استعمل ابن البنّا في القرن الثالث عشر الميلادي، وكذلك نصير الدين الطوسي ت 1274 الطريقة الغبارية. لكن هذه الطريقة ما لبثت ان تراجعت وتم نسيانها. وقرأت في كتاب Number مار الذكر شرحاً دقيقاً لعملية الضرب التي طورها العرب عن الطريقة الهندية، مستخدمين فيها نظام "الشبكة" التي سيستعيرها نابير Napier "1550 - 1617" في حساباته العظيمة. ويمكن تبيان ذلك في المثال الآتي: اضرب 932 في 567 لمتابعة الحل، انظر الشكل المرسوم على هيئة شبكة. ويعتبر تأليف كتاب الخوارزمي "الجبر والمقابلة" في بداية القرن التاسع الميلادي حدثاً كبيراً في تأريخ الرياضيات، كما يقول رشدي راشد في كلمته عن الجبر في "موسوعة تأريخ العلوم العربية". فقد كان هذا الكتاب فاتحة عهد جديد في دنيا الرياضيات، وظل هذا الكتاب ملهماً للاجيال التالية ليس فقط في العربية والفارسية، بل وفي اللاتينية لغة العالم الغربي يومئذ. وتكمن أهمية هذا النظام الرياضي الجديد الذي ابتكره الخوارزمي في بساطته بالمقارنة مع كتب رياضية أخرى مهمة جداً كمؤلفات اقليدس ودايوفانتوس. في هذا الكتاب نقف على مصطلحات رياضية جديدة ستستخدم حتى يومنا هذا وتصبح جزءاً من لغتنا العلمية اليومية، نذكر من بينها كلمة "الجذر" بمفهوم المجهول الرياضي، أو "الشيء" كما عبر عنه الخوارزمي. ولم نتوقع من الخوارزمي كمؤسس لعلم الجبر ان يقدم لنا معادلات تتجاوز الدرجة الثانية. حسبه أنه وضع اللبنة الأولى في علم الجبر. وكان مجهول الخوارزمي أو "الشيء" عنده، وهو ما بات يرمز له بالحرف x في العالم الغربي، والحرف س عندنا، ذا طبيعة حسابية وهندسية في وقت معاً، أي ان حلول الخوارزمي كانت تتخذ طابعاً حسابياً أو هندسياً بلغتها الجبرية. ومنذ أيام الخوارزمي توسعت الدراسات التي بدأها هذا العالم: نظرية المعادلات من الدرجة الثانية، الحساب الجبري، الاستقراء الرياضي، تطبيق علم الجبر على مسائل الإرث والحصص، الخ. وربط ثابت بن قُرّة بين الحلول الجبرية والحلول الهندسية، وكيف أنها تعطي نتائج واحدة، وذلك باستخدام "كتاب الهندسة" لاقليدس. واشتغل الماهاني في هذا الحقل أيضاً وقدم تفسيراً جبرياً لبعض نظريات اقليدس الهندسية كتابه العاشر. ووضع معادلات للأشكال المجسمة التي وردت في بحث ارخميدس "الكرة والاسطوانة". وتوسع البحث في تطوير نظرية المعادلات التي تتجاوز قوة مجهولها الدرجة الثانية، فبحث أبو كامل وسنان بن الفتح في معادلات من الدرجة السادسة. ولم يتوقف البحث عند الجذور الموجبة، بل نوقشت المقادير السالبة. ويذكر هنا الماهاني، وسليمان بن عصمة، والخازن، والاحوازي، ويوحنا بن يوسف، والهاشمي، الخ. وبصدد الأعداد أو المقادير السالبة لا بد من الاشارة الى ان العالم الفلكي الرياضي الهندي براماغوبتا Bhramagupta حوالى 598 - 665م كان أول من تحدث عنها وعن الصفر، وعن ضرب الأعداد الموجبة في السالبة، وضرب الأعداد في الصفر، وقسمتها على الصفر. وناقش معادلة الدرجة الثانية، واعترف بأن لها جذرين، بل اشار الى أن من الممكن أن يكون أحد هذين الجذرين سالباً على سبيل المثال: س2 - 4 = صفر. عند حلها نجد أن س = "2، س -2. ومن بين البحوث الرياضية المهمة التي قام بها الرياضيون المسلمون بعد الخوارزمي ترجمة كتاب "الحساب" Arithmetica المهم لدايوفانتوس، الى العربية، وذلك من خلال قراءة جديدة له جبرية في اطارها. تم ذلك في العام 870 م على يد قسطا بن لوقا الذي ترجم الأجزاء السبعة لهذا الكتاب النفيس، تحت عنوان جديد له دلالته العلمية: "صناعة الجبر". فقد استعمل المترجم لغة الخوارزمي، في مقابل اغريقية دايوفانتوس، كما يقول رشدي راشد، وبذلك عبّر عن محتوى الكتاب اليوناني بلغة الجبر الجديدة. وعلى النقيض من ذلك فكر الكرجي بمشروع رياضي آخر: تطبيق علم الحساب على الجبر، وذلك لأجل وضع دراسة منظمة لتطبيق القوانين الحسابية على المواضيع الجبرية، لا سيما المقادير المتعددة الحدود polynomials. وألّف الكرجي رسائل علمية عدة في هذا الموضوع الجديد، لا سيما كتابيه "الفخري" و"البديع". وأصبح هذان الكتابان موضوع دراسة واهتمام وتعليق الرياضيين الى القرن السابع عشر، أي ان أبحاث الكرجي كان لها موقع مركزي في موضوع الجبر الحسابي على مدى قرون. ثم شغلت بال الرياضيين المسلمين مسألة تطبيق العمليات الأربع وحساب الجذر للمقادير الصمّاء. ووجد الكرجي ومن جاء بعده الاجابة على ذلك في القراءة الجبرية للجزء العاشر من "كتاب الأصول" لاقليدس. أما عمر الخيام، الشاعر، الذي كان عالماً رياضياً وفلكياً في الوقت نفسه، فقد فكر في تفسير الجبر من وجهة نظر هندسية. وقبله جرّب الرياضيون المسلمون العمل في هذا الاطار، كتحويل مسألة تثليث الزاوية، والمسبّع المنتظم، الى لغة جبرية. وفي محاولة لتذليل الصعوبات في حل بعض المسائل المتعلقة بمعادلات الدرجة الثالثة عمد رياضيون، مثل الخازن، وابن عراق، وأبو الجود بن الليث، والشنّي، الخ، الى ترجمة هذه المعادلات الى لغة هندسية. وهذه المرة، على عكس ثابت بن قرة، لم تجر محاولة تفسير المعادلات الجبرية هندسياً لايجاد معادل هندسي للحل الجبري، بل لتعيين الجذور الموجبة للمعادلة التي لم يتم التوصل اليها بوسائل أخرى، وذلك بالاستعانة بالهندسة. وفي واقع الحال ان محاولات الخازن، والقوهي، وابن الليث، والشنّي، والبيروني، الخ، بهذا الصدد كانت اسهامات جزئية الى أن تم تنضيج هذا الاتجاه على يد عمر الخيام: ايجاد نظرية هندسية لمعادلات من الدرجة الثالثة أو أقل. وحتى وقت قريب كان يُعتقد بأن هذا الموضوع توقف عند الخيام، إلا أن الأمر ليس كذلك. فاستناداً الى رواية تأريخية فإن شرف الدين المسعودي، تلميذ الخيام، ألّف كتاباً يعالج نظرية المعادلات وحل معادلات الدرجة الثالثة. لكن هذا الكتاب، اذا كان تم تأليفه حقاً، لم يصلنا. إلا أننا نقف على واحد من أهم الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع في رسالة علمية لشرف الدين الطوسي هو غير نصير الدين الطوسي، عنوانها "حول المعادلات" كتبت بعد الخوارزمي بجيلين، أي في حدود 1170م. تبدأ رسالة الطوسي هذه بعرض لمنحنيين مخروطيين، احدهما قطع مكافئ parabola، والآخر قطع زائد hyperbola، أضيفت اليهما دائرة لمناقشة جميع المنحنيات المحتملة. ويبدو أنه يفترض أن قارئه على علم بمعادلة الدائرة، ومن ثم يحاول إيجاد معادلة القطع المكافئ، ومعادلة قطع زائد متساوي الأضلاع، بالاستناد الى نظامين من المحاور. والجزء الرابع من رسالة شرف الدين الطوسي مكرس لخمس معادلات تشتمل على "حالات مستحيلة" كما قال الطوسي، ويقصد بذلك انها تشتمل على جذور صماء جذور لمقادير سالبة. ويدخل في تفاصيل رياضية تندرج في اطار الهندسة التحليلية وذلك عندما يتقاطع المنحني مع الاحداثي السيني المحور الأفقي في مخطط ديكارت. وهنا يطرح الطوسي أفكاراً جديدة، وطرقاً جديدة، ولغة جديدة في الرياضيات، وبذلك يضع الأسس لعلم جديد. ويناقش مسألة النهاية العظمى كتعبير جبري، وبلغته هو "العدد الأعظم". ويلامس الطوسي موضوع المشتقة في هذه الحلول. ولا تبدو مناقشته هذه ثانوية أو اتفاقية بل مقصودة، كما يقول رشدي راشد. وانه لمن المحتمل أن يكون الطوسي اكتشف معادلة المشتقة، ربما الى جانب اعتبار المنحني الذي يمثل الدالة الذي يرسمه في رسالته، كما يقول رشدي راشد. كما اننا نلمس في حلوله هذه ما يعرف الآن بطريقة "نيوتن" في ايجاد الحل التقريبي للمعادلات. ولاحظ رشدي راشد أيضاً أن طريقة الطوسي تشبه الى حد كبير طريقة فيرمات Fermat في تقصي النهايات العظمى والصغرى للمعادلات المتعددة الحدود. ومما لا ريب فيه ان هذه رياضيات من مستوى عال جداً بالقياس الى زمانها، ولا بد من الاقرار بأنها لم تتجاوز هذا الحد لأنها لم تتعامل مع الرموز الرياضية، التي لعبت في ما بعد - في العهود الحديثة - دوراً مهماً في تذليل العمل الرياضي. فلا شك في ان الرياضي لا يستطيع التعامل مع قضايا تحليلية كهذه من دون استعمال الرموز. ولم تذلل هذه الصعوبة الا بعد ديكارت 1596 - 1650. ومنذ منتصف القرن العاشر الميلادي توصل الاوقليدسي الى فكرة عن الكسور العشرية، وذلك في سياق مناقشته قسمة الأعداد الفردية على اثنين، حيث قال: "ان شطر الواحد الى اثنين، يجعلنا نضع خمسة أمامه في كل موضوع...". وبعد ذلك قدم علماء الجبر من مدرسة الكرجي فكرة واضحة عن الكسور العشرية. وتمت أول اشارة الى ذلك على يد السموأل في 1172 - 1173م. ثم طورها الكاشي ت 1436 - 1437، الذي أكد على التشابه بين النظام العشري والستيني بهذا الصدد. ويقول رشدي راشد أن الكاشي كان، في حدود علمنا، أول من سمى هذه الكسور "الكسور العشرية"، ويقول: وبعد الكاشي ظهرت الكسور العشرية في كتابات فلكيي ورياضيي القرن السادس عشر تقي الدين بن معروف، واليزدي. وهناك غير دليل يشير الى أنها انتقلت الى الغرب قبل منتصف القرن السابع عشر، واطلق عليها في مخطوطة بيزنطية جيء بها الى فيينا في العام 1562 كسور "الترك".