فجعت الأمة الإسلامية بموت عالم من علمائها وإمام من ائمتها الأجلاء، افنى عمره في البحث والتأليف والتعليم والتدريس لا تخلو مكتبة علمية من مؤلفاته وتحقيقاته، هو فضيلة الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله , ولد الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم 1345ه في بلدة البير التي تبعد عن الرياض 160 كم شمالاً, ونشأ رحمه الله في بيت علم ودين، ودرس في الكتاتيب ثم تلقى العلم على العديد من العلماء والمشايخ، منهم والده العلامة الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وسماحة الشيخ عبداللطيف بن ابراهيم وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز وسماحة الشيخ عبدالله بن حميد رحمهم الله ومن أخص مشايخه وأكثرهم اثراً في حياته سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ الذي درس عليه كثيراً ولازمه خمساً وعشرين سنة منذ عام 1357ه وحتى عام 1381ه, وقد درس رحمه الله الدراسة النظامية في المعهد العلمي ثم تخرج من كلية الشريعة ومن ابرز زملائه فيها الشيخ عبدالله بن جبرين وفقه الله , وكان رحمه الله محباً للعلم صبوراً على طلبه حافظاً له، فقد حفظ كتاب الله عز وجل وكثيراً من المتون، كالزاد والألفية، والواسطية، والتدمرية، وغيرها, ودرس رحمه الله في معهد إمام الدعوة ثم في المعهد العلمي بالرياض ثم في كلية اصول الدين وناقش العديد من رسائل الدراسات العليا, ومن ابرز تلامذته سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، واعتذر عن تولي كثير من المناصب التي عرضت عليه وقام مع والده الشيخ عبدالرحمن بجمع الثروة العلمية العظيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في 37 مجلداً حيث سافر مع والده الى الشام والعراق ومصر وأوروبا بحثاً عن ذلك التراث العظيم, ثم اضاف رحمه الله على هذا المجموع المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية في خمسة مجلدات جمعه في أكثر من اثني عشر عاماً, وقد اخرج في مجلدين كبيرين كتاب بيان تلبيس الجهمية , ومن وفائه ومحبته لشيخه العلامة محمد بن ابراهيم رحمه الله اخرج فتاواه ورسائله في ثلاثة عشر مجلداً بأمر من الملك فيصل رحمه الله وله من الكتب المطبوعة ايضاً: ابوبكر أفضل الصحابة واحقهم بالخلافة وكتاب: آل رسول الله وأولياؤه و موضوعات صالحة للخطب والمواعظ واخرج من شروح الشيخ محمد بن ابراهيم كشف الشبهات و آداب المشي الى الصلاة وغيرها, وعرف عن الشيخ منذ نشأته كثرة العبادة والمداومة عليها فهو صاحب قيام ليل طويل وحج أكثر من خمسين حجة، لا يخرج من المسجد بعد صلاة الفجر إلا بعد شروق الشمس وكان حريصاً على اتباع السنة، ومتواضعاً، حسن السمت مع هيبة تلازمه ووقار وكظم للغيظ وزهد في الدنيا وورع وبعد عن المظاهر، ولا يؤثر عنه أنه طلب احدا لشيء من أمور الدنيا البتة، ومن رأى عبادته وسائر صفاته تذكر حال السلف الصالح, وكان حليماً صبوراً قليل الكلام لا يتحدث فيما لا يعنيه يُعد كلامه من الجمعة الى الجمعة، مداوماً على ذكر الله عز وجل واستغفاره بارا بوالديه أحياءً وامواتاً واصلاً رحمه، كثير الصدقة الخفية التي لا يعلم عنها أحد, وقد توفي رحمه الله يوم الاثنين 27/6/1421ه في مدينة الرياض إثر حادث مروري أليم وصلي عليه في الجامع الكبير عصر الثلاثاء وأم المصلين سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ودفن في مقبرة النسيم، وحضر الصلاة وتشييع الجنازة خلق كثير لا تجمعهم إلا مثل هذه الجنائز يتقدمهم العلماء وطلبة العلم, وله من الأبناء ستة منهم فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي والقاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة، والشيخ عبدالملك القاسم الكاتب المعروف، والمشايخ عبداللطيف وعمر واسامة وهم مدرسو علوم شرعية واسماعيل داعية في وزارة الشؤون الإسلامية, رحم الله الشيخ واسكنه فسيح جناته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وبارك في عقبه وجعلهم هداة مهتدين وإنا لله وإنا إليه راجعون,