العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين.. خلود بعد ممات د.محمد بن عبد الله المشوح كنت في عام 1419ه للهجرة قد شرعت في لقاءات أجريتها مع عدد من أصحاب الفضيلة العلماء والدعاة وأذيعت في إذاعة القران الكريم عبر برنامج (في موكب الدعوة)، وكان من طليعة تلك اللقاءات التي أجريتها لقاء مع فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن جبرين (رحمه الله). وقد أفاض الشيخ رحمه الله في ذلكم اللقاء المطول والذي أذيع عبر ثلاث حلقات عن تفاصيل هامة عن شيوخه وطلبه للعلم وتلامذته وطريقته في التدريس والعلوم التي يدرسها إضافة إلى بعض النقاط الهامة في حياته العلمية والعملية. لقد التقطت من تلك الرحلة الطويلة التي قضاها الشيخ (رحمه الله) في طلب العلم ونشره ودأبه وحرصه وصبره على طلب العلم والعناية به وبذله وتعليمه ونشره للناس كافة وبهذا سبق أقرانه وفاق زملائه وكانت له الريادة وأختصه شيخه سماحه الشيخ (عبد العزيز بن باز) (رحمه الله) بأمور علمية لم يشاركه فيها أحد ومن ذلك إمامته لجامع الإمام تركي بن عبدالعزيز في غياب سماحه الشيخ عبدالعزيز بن باز إبان إمامته له رحمه الله. كذلك وفاؤه مع شيوخه وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز الشثري (أبو حبيب) الذي يعد شيخه الأول حيث لازمه في الرين قبل قدومه إلى الرياض 1374ه وقد سألته عن فصل القول في سيرته وأخلاقه حيث قال (هو شيخنا الأول بعد الوالد (رحمه الله) وهو أيضاً شيخ الوالد وأيضاً شيخ كثير من زملائنا الذين قرأوا عليه كان (رحمه الله) من أهل حوطه بني تميم انتقل إلى الرياض بحدود سنة 1335ه، ثم بقي كقاضي حيث ألزمه الملك عبدالعزيز (رحمه الله) بان يتولى القضاء هناك ومع ذلك فإنه كان يتولى التعليم زيادة على القضاء فكانت مجالسة بعد المغرب وبعد الفجر وفي الضحى مجالس علم يعلم فيها ويقرأ عليه وكذلك كثير من القراء بعض الشروح والمتون في الكتب المطولة والكتب المختصرة وهكذا أحياناً يجلس بعد الظهر لقراءة بعض الشروح والمتون ويكون مجلسه غالباً مجلس علم أما أخلاقه (رحمه الله) فقد عرفنا منه حسن الخلق ولين الجانب وسهوله المظهر وكذلك عرف بالعلم الذي تلقاه عن مشايخه بالرياض وبالأخص على التوحيد وعلى العقيدة وهكذا أيضاً في علم الأحكام لمعرفة الحلال والحرام وما إلى ذلك، أما بقية أخلاقه (رحمه الله) فإنه كان على جانب من الأخلاق فإذا سألت عن كرمه فهو الغاية في الكرم وفي بذل الوسع في توسعه على المستضعفين والمستحقين وكذلك إكرامه للزائرين وبذل ما يجده دون أن يحجزه من ذلك شح أو بخل أو غير ذلك وأن سألت عن سهوله جانبه وحسن خلقه ولباقته لمن يزوره فلا تجد في تلك البلاد مماثلاً له فهو دائماً سهل الجانب وكذلك دائم البشر ودائم الفرح،يفرح بمن زاره ومتى زاره أحد وجد انشراح قلب وسعه بال وكذلك إذا سألت عن أخلاقه فإنه كان حسن الخلق قل أن يحقد على أحد أو يجد في قلبه لأحد شيئاً في البغض والكراهية متى رآه وإن أحداً وجد عليه شيء فإنه يتصل به إلى أن يجد من يؤزره ويعتذر عنه بكل ما يمكن حتى لا يكون هناك احد يحقد عليه ولذلك ما رأينا أحداً طوال صحبتنا إلى أن توفي سنه 1387ه، لم نرى أحداً حقد عليه أو انتقده أو كرهه لسبب من الأسباب وقد أتحفنا بعض أحفاده بترجمة فأخرج له ترجمه طبعت بعنوان إتحاف اللبيب وأورد فيها ابن ابنه ما يتعلق به من الدعوة إلى الله تعالى ومن التعليم من مجالس العلم ومن الكرم والصدق واللباقة وكذلك معلوماته الي كان يستقي منها من يتعلم على يديه وفي تلك الرسالة غاية لمن يريد التوسع في سيرته وأخلاقه (انتهى). لقد درس وتتلمذ العلامة بن جبرين على شيخه الكبير سماحه العلامة محمد بن إبراهيم حيث قرأ عليه في بلوغ المرام أكثر من مره وكذلك الروض المربع والواسطية والحموية وغيرها من كتب الفقه والعقيدة، وكذلك قرأ على الشيخ إسماعيل الأنصاري (رحمه الله) وأثنى على علمه الغزير وخصوصاً في اللغة وأصول الفقه ثم أستقر به المقام في القراءة على سماحه الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله). وقرأ عليه في المصطلح ونخبه الفكر والعقيدة الواسطية وغيرها. كذلك ذكر لي أن من شيوخه اللذين استفاد منهم عمه الشيخ سعد بن جبرين وعبدالرحمن الهويمل والشيخ محمد بن عباد والشيخ إبراهيم بن حركان. ثم التحق بالمعهد العلمي مع دراسته على المشايخ فور افتتاحه ثم كلية الشريعة والتحق بالقسم العالي بالمعهد العلمي ثم المعهد العالي للقضاء وحصل على الماجيستر بعنوان (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) وكان المشرف عليه فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي (رحمه الله) وحصل فيها على مرتبه الشرف الأولى، ثم الدكتوراه حصل عليها سنه 1407ه وكان المشرف عليها د. عبدالله بن على الركبان بعنوان شرح الزركشي على مختصر الخرقي وحصل فيه على درجه ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وطبع الكتاب في ستة مجلدات وقد أشار رحمه الله إلى اختيار سماحه الشيخ عبدالعزيز بن باز له ليعمل عضوا في الإفتاء سنه 1402ه حتى سنة 1418ه حيث أحيل إلى التقاعد. وقد سألته عن زملائه في الطلب والدراسة وطلب العلم وذكر عدداً منهم محمد بن سعود الصبحي والشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم العريفي والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الهويمل والأمير عبدالرحمن بن محمد بن مقرن آل سعود رحمه الله ويذكر أن له اهتمام خاص بالكتب والشيخ إبراهيم الهلالي ومن زملائه في الماجيستر د. عبدالله التركي، وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري والشيخ سليمان الرشودي والشيخ صالح الاطرم رحمه الله والشيخ ناصر بن زهير والشيخ عبدالله الشيعبي والشيخ عبدالله بن حمد الخويطر والشيخ عبدالرحمن السدحان وسماحه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتى العام للملكة. لقد سألته عن أهم ما تميز به (رحمه الله) وهو التعليم والتدريس فأشار إلى انه ابتدأ به سنه 1387ه حيث بدأ في تدريس الفرائض والأجرومية حتى سنه 1389ه حيث تولى الإمامة في مسجد آل حماد الواقع قرب المقيبرة وكان بجوار مدرسة بن سنان لتحفيظ القرآن للمغتربين تعنى بتحفيظ القرآن الكريم. وقد اجتمعوا حول الشيخ ودرسهم أصول العقيدة ومبادئ العلم الشرعي حتى تم هدمه توسعه للأسواق والمقام حالياً عليه مواقف السيارات متعددة الأدوار. ثم انتقل إلى مسجد الحمادي وواصل التدريس في عده كتب منها القول السديد في مقاصد التوحيد للشيخ عبدالرحمن السعدي ومنظومة حافظ حكمي التي سماها سلم الوصول وشرحها معارج القبول. ثم انتقل إلى شبرا سنة 1402ه ودرس في مسجد شبرا ومسجد شيخ الإسلام في سلطانه ومسجد الملوحي ومسجد السالم وجامع الملك عبدالعزيز في أم الحمام، وكان لديه درس منتظم في مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم في دخنه ابتدأه سنه 1391ه وكذلك درس في جامع الأمير عبدالله بن محمد المعروف بجامع عتيقة والذي أشار به عليه سماحه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، ومن الكتب التي درسها وشرحها منار السبيل ودرسه ثلاثة عشر سنه وطبع وكذلك شرح الروض المربع مرات عديدة وكتاب العمدة وشرحه للمقدسي وكذلك كتب السنة صحيح مسلم والدرامي والنسائي وسنن أبو داود وموطأ مالك وشرح السنة للبغوي وبداية المجتهد لأبن رشد. وقد ذكر لي رحمه الله عدد من تلامذته الآخذين عنه وذكر منهم الشيخ سليمان آل مهنا رئيس المحكمة العامة بالرياض والشيخ د. صالح السدلان والشيخ د. عبدالرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام والشيخ د. سعد بن حميد والشيخ د. عبدالعزيز السدحان والشيخ عبدالعزيز المبدل ومنصور العفيفي واحمد المهنا والشيخ إبراهيم الغيث والشيخ محمد بن ناصر السحيباني والشيخ عادل الكلباني قرأ في الروض المربع والشيخ عبد الرحمن بانمي في صحيح مسلم وخالد المحمود ويوسف العطير وفيصل العمر يقرأ عليه يوم الخميس في أعلام الموقعين. ومن طرائف ذلكم اللقاء أنني سألته عن نبرة صوته وتغيرها وهل لذلك قصه؟ فأجاب رحمه الله بأنه في وقت الصغر سنة 1361ه كان يقرأ القرآن وكان صوته جميلاً وعمره حوالي عشر سنوات فأصيب بمرض اللسنة وهو تغير الصوت ويقول انه عالج منها فصار صوته بهذا الوضع الذي يعرفه الناس. لقد أجريت لقاءات مع شخصيات تجاوزت مائه عالم وداعيه لكنى لم أعلم أحداً كان لديه مثل ذلكم الحشد الهائل والعظيم من الدروس والمحاضرات والنشاط العلمي الذي لا نظير له ولقد شاهدت بنفسي حرصه وصبره على العبادة وذلك خلال قدومه في شهر رمضان من كل عام للقيام في مكة والصلاة في المسجد الحرام فكان يحضر قبل صلاة العصر ويجلس جلسة واحدة يقرأ في القرآن من حفظه لا يتململ في جلسته ولا ينشغل في شيء إلى صلاة التراويح. فكنت أطلب منه أن يستند إلى كرسي أو عامود يريح ظهره قليلاً ولكنه لا يقبل، وكنت أعجب من تواضعه وابتسامته لكل من عرفه وهو جالس في الحرم حتى من عامة الناس الذين قد يكثرون السؤال عليه ولكنه لا يرد أحداً. ومما أشتهر به رحمه الله تلك الأخلاق التي اجترها من شيخه الشيخ عبدالعزيز الشثري والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله. لقد بذل الشيخ عبدالله بن جبرين (رحمه الله) نفسه للناس في الشفاعة وتصديق الأوراق وغير ذلك ولقد أطلعت بنفسي على عدد من الأوراق والمبايعات التي كان يكتبها احتساباً ويصدق عليها ويشفع للمحتاجين والمعوزين وغيرهم وسألته عن هذا الأمر فأجاب أن من رغب في حاجة إلينا لا يمكن أن نرده. لقد ضرب العلامة الشيخ ابن جبرين (رحمه الله) مثلاً عظيماً في العلم والعمل حتى أجمعت وأطبقت الناس على غزارة علمه وسعه فقهه وسماحة أخلاقة. لقد تذكرت وأنا أكتب هذه أول لقاء جمعني به حيث زرته في مكتبه مع شيخي الشيخ محمد بن صالح المنصور رحمه الله سنه 1409ه فاستقبلنا استقبالاً حاراً واحتفي بالشيخ محمد المنصور واستغرقا في حديث مطول عن العلماء وزملائهم وأخبار الدعوة والدروس وغير ذلك. وهكذا ودع العالم الإسلامي عالم صدق وداعية عمل فحفظ ذكره وهو بإذن الله من الخالدين. الجزيرة - لجمعة 09 شعبان 1430ه العدد 13455