أحياناً تقفز الأسئلة، ولا تجد الإجابات الآنية في زوايا المحال، أو على رصيف الطرقات، أو داخل الأحياء والحارات. أسئلة مشروعة يصوغها سكان الرياض منذ نحو عام عن مدينة كبيرة يصفها البعض ب«الجامدة»، والبعض الآخر ب«المتألقة»، فيما تسميها بلادها ويسميها زوارها وروادها بالعاصمة السعودية الثقيلة. في مقهى يقبع في شارع «التحلية»، تسلل سؤال سريع على طاولة دائرية صغيرة على شكل «تعجبي»، لماذا تغلق المطاعم والمقاهي في الرياض باكراً؟ نظر الأصدقاء إلى بعضهم، ليجيبوا على هذا السؤال «المفعم بالحيوية»، مع رائحة القهوة التركية، لولا أن صديقاً آخر تساءل (بذكاء) ماذا يُقصد بهذا السؤال؟ لماذا تغلق مطاعم ومحال الرياض أبوابها عند الساعة الثانية عشرة ليلاً؟ أليست الرياض مدينة تفتح ذراعيها في قلب الجزيرة العربية لنحو أكثر من خمسة ملايين نسمة، وبها ناطحات سحاب وشركات ومؤسسات ووزارات، وقبل ذلك كله عاصمة تاريخية لمملكة منها ل«سراة الليل هتف الصباح»؟ ربما كان سؤال ذلك الصديق «ملغوماً» لكنه موزون، أو كما يقول المعلقين الرياضيين «ملفوف» لكرة تعرف الطريق نحو التسجيل في المرمى. تدحرج السؤال من فوق تلك الطاولة الصغيرة على مساحات واسعة بكبر حجم الرياض، ليتوزّع على محال ومطاعم وبوفيهات تغلق ليلاً، وتقفل بين الظهر والعصر! الرياض مدينة عملية متطورة، لكنها لا تطل على بحر ولا نهر، ولا توجد بها مسارح ولا دور سينما، لكنها قررت إغلاق المقاهي والمطاعم، وربما محال المواد الغذائية والصيدليات عند الساعة الثانية عشرة ليلاً منذ نحو عام. ما الأمر؟ ماذا هناك؟ ولماذا؟ كانت الإجابات لا نعلم، لكنها تقول إن الرياض مدينة اعتادت على الحياة من الصباح حتى الصباح. مدينة مطاعمها ومقاهيها مفتوحة، وليلها «هادئ»، على رغم ازدحامها عندما تقارن بعواصم أخرى. في الوقت الذي اتخذت الرياض قرار الإغلاق، قررت عواصم عربية وغربية أن ترخص للمحال، فيما كانت في يوم ما تغلق عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، لتبقى مفتوحة أمام الناس حتى صباح اليوم الآخر، وأولها لندن وباريس وغيرهما أخريات. يخرج زملاء صحافيون من مؤسساتهم الإعلامية ومناوبون آخرون في منشآت أخرى في ساعة متأخرة، بعد أن أنجزوا أعمالهم وواجباتهم، على أمل وجود محال يختارون منها «لقمة» تملأ فراغاً في بطونهم، ثم يجدون أن الليل دجى والأمكنة نامت، بعد أن أُلزمت بقرار إغلاق أبوابها أمام الخارجين من مناوباتهم الليلية. الرياض ليست عاصمة صغيرة أو عاصمة عدد سكانها مليون نسمة، بل هي عاصمة يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة وفي ازدياد، ما يستدعي من أميرها المحبوب سلمان بن عبدالعزيز النظر في مثل هذا القرار، والعودة إلى ما كان معمولاً به في السابق. [email protected]