قبل كل آذان لصلاة المغرب، يصطف مئات الرجال والنساء والأطفال، يحملون أواني بأحجام مختلفة، بانتظار دورهم للحصول على وجبة طعام ساخنة مجانية تقدمها «التكية الإبراهيمية» في مدينة الخليل. ويعود تاريخ «التكية الإبراهمية» إلى مئات السنين. وتقع التكية، المسماة نسبة إلى النبي إبراهيم، على بعد أمتار عدة من الحرم الإبراهيمي. وقال مدير التكية محمد سلهب اليوم (الاثنين) إن «التكية تؤدي رسالة إنسانية اختلفت باختلاف الدول التي حكمت فلسطين». وأضاف أنه «في زمن صلاح الدين الأيوبي كانت تطعم جيش الفتح الإسلامي، وفي عهد الاتراك كانت تطعم كل من يصل إليها، كذلك خدمتها للعالم والطلبة الذين كانوا يدرسون في الحرم الإبراهيمي الشريف». وأوضح سلهب أن التكية تتبع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وتعتمد في تلبية احتياجاتها على تبرعات أهل الخير من داخل المدينة وخارجها، وتعمل على مدار العام، وتعطل يومين فقط هما يومي عيدي الفطر والأضحى. وقال «يتم الإعداد لشهر رمضان قبل شهرين من موعده، ويتسابق أهل الخير إلى تقديم المساعدات، ومنهم من يقدم كل ما نحتاجه لإعداد وجبة يوم، وآخرين يقدمون الأموال ونحن نقوم بشراء ما نحتاجه». ويختلف عمل التكية في رمضان عن باقي أشهر السنة؛ من حيث طبيعة ما تقدمه من طعام، إضافة إلى أعداد المستفيدين التي تتضاعف خلاله. وقال سلهب «في غير رمضان، نطبخ مادة الشوربة بواقع خمسة أيام في الأسبوع، وتشتهر باسم شوربة سيدنا إبراهيم. أما في يومي الاثنين والجمعة، فنقدم وجبات ساخنة من اللحوم والدواجن، إضافة إلى بعض الأكلات الشعبية». وأضاف «الأعداد تتفاوت في غير شهر رمضان، وربما تصل إلى ألفي شخص». ويختلف الوضع مع حلول شهر رمضان؛ إذ تقدم التكية طوال أيام الشهر وجبات من الطعام الساخن من اللحوم والدواجن يوميا. ويبدأ أربعة طهاة من الساعة الخامسة فجرا في إعداد الطعام، ويستمر العمل حتى إنجازه ما يقارب خمس ساعات. وتفتح التكية أبوابها لمن يريدون الحصول على وجبات الطعام عند الساعة الحادية عشر ظهرا. وذكر سلهب أن كل من يصل إلى التكية للحصول على وجبة طعام يحصل عليها، سواء كان فقيرا أو غنيا؛ لا يوجد كشوفات أسماء، ولا تسأل أحدا إن كان محتاجا أم لا. وقال «لا يقتصر الأمر على سكان المدينة؛ فهناك أناس من المناطق المجاورة يأتون للحصول على الطعام». وتبدأ عملية التوزيع باستلام الوعاء من شباك، وإعادته وقد وضع فيه الطعام من شباك آخر، ولا يخلو الموقف من تدافع، أو سؤال لزيادة الكمية. ويساعد العاملون في التكية، خلال شهر رمضان، شبان متطوعون من المدينة يساهمون في سرعة إنجاز المهمة ليحصل آلاف على حصصهم من الطعام خلال أقل من ساعتين. وقال الشاب محمد المحتسب، أحد المتطوعين المشاركين في المساعدة في توزيع الطعام، «أتفرغ خلال شهر رمضان للمساعدة في توزيع الطعام ... أشعر بالسعادة وأنا أقدم هذه المساعدة». وأضاف «أنا وأصدقائي في مجموعة خليل الرحمن الكشفية نتوزع إلى عدد من الأماكن التي نقدم فيها المساعدة للآخرين. ربما لا يكون الكل بحاجة إلى المساعدة، ولكن من يحتاج المساعدة يحصل عليها، وهذا أمر مهم». ويعمل الطاهي أمين شبانة منذ 11 عاما على إعداد الطعام في هذه التكية، كما يوزعه من دون كلل أو ملل. وقال، فيما كان يعمل مثل آلة، «صحيح أن الأمر متعب، ولكنك تشعر بالسعادة وأنت تخدم كل هؤلاء الناس». ويبدو الناس سعداء وهم يحصلون على وجبة طعام ساخنة من دون أن يسألهم أحد عن أسمائهم، أو إذا ما كانوا محتاجين أم لا. وقال طفل لم يبلغ العاشرة من عمره إنه يحضر يوميا هنا إلى التكية للحصول على الطعام لأسرته، في حين قالت امرأة إنها المرة الأولى التي تأتي فيها.