على رغم أن المسلمين أجمعين يحمدون ظاهرة «الجود» والكرم في رمضان، إلا أن الجانب السيئ للكرم في الشهر الفضيل، تفصح عنه مخلفات الأطعمة في أحياء ومدن دول الخليج، التي لم تزل متأخرة في استثمار رجيع الفنادق والولائم لتوزيعه بين المحتاجين. ففي دبي مثلاً يجلس المئات من العمال الآسيويين صامتين على الأرض أمام مسجد فاطمة حسن في المدينة وأمامهم أطباق مليئة بالفاكهة والوجبات، بينما ينتظرون في صبر في ظل رطوبة قاسية أن يبدأوا الإفطار. وفي مكان مجاور يحضر متطوعون يتصببون عرقاً ويغرفون على عجل الخضر المطهوة والأطباق التي تعتمد على الرز أساساً من أوانٍ معدنية كبيرة في الأطباق لكل ضيوفهم، بينما يتأهبون للحظة أذان المغرب. يقع المسجد في وسط دبي على بعد أمتار فقط من خور دبي - الذي يمثل المركز التجاري الأصلي للإمارات عندما كانت دبي مركزاً صغيراً للتجارة والصيد - ويقدم المسجد وجبة إفطار مجانية للفقراء كل يوم خلال الشهر في مائدة تكفي لما بين 1500 و1800 عامل يومياً. وربما كانت صناديق القمامة لمسجد فاطمة حسن خاوية، لكن مع مجيء رمضان تحدث زيادة هائلة في مخلفات الطعام في أنحاء المدينة والخليج من بقايا المآدب الفاخرة التي يحضرها الأثرياء في منطقة يعني فيها ارتفاع حرارة الصيف فساد الطعام سريعاً. وقال نور محمد وهو منسّق مبيعات تطوع لإطعام الصائمين: «ليست لدينا تقريباً مخلفات. ما يتبقى نقدمه للناس. ندعو الناس ونقدمه لهم». لكن ليس كل الإفطار في دبي ما هو إلا وجبات تقدم للفقراء، والكثير منهم من العمال المهاجرين الذين يحصلون على أقل من ألف درهم (272 دولاراً) شهرياً، وعادة ما يعانون من ديون كبيرة. حولت دبي نفسها على مدى السنوات ال50 الماضية إلى مركز تجاري وسياحي اشتهر بمشاريع العقارات الباذخة والترف والمآدب الفاخرة في الفنادق والمطاعم لتلبية مطالب المستهلكين الأثرياء، الذين يريدون أفضل أنواع الطعام الطازج على موائد الإفطار. تضم دبي أطول برج في العالم وجزراً اصطناعية على شكل نخيل يمكن رؤيتها من الفضاء وعدداً من الفنادق الفاخرة، منها فندق برج العرب الذي يأخذ شكل شراع، والكثير منها يعد وجبات إفطار لمن بإمكانه دفع ثمنها. ووجبات الإفطار في أفخر الأماكن عادة ما تكون أسعارها باهظة، إذ تبلغ الكلفة 200 درهم (55 دولاراً) للفرد. وعلى رغم الساعات التي تقضى في إعداد الوجبات، فإن الندل في كبار الفنادق بدبي يقولون إن معظم ما يتبقى من الطعام يذهب مباشرة إلى صناديق القمامة. وتقول بلدية دبي إن كمية الطعام الملقى في صناديق القمامة بالإمارات تزيد بما يصل إلى 20 في المئة في شهر رمضان ومعظم البقايا تتكون أساساً من الرز والأغذية الأخرى غير الخضر. وذكرت البلدية أنه ألقي نحو 1850 طناً من الطعام في المتوسط خلال رمضان عام 2010، أي ما يمثل نحو 20 في المئة من إجمالي المخلفات في دبي خلال رمضان. وقالت صحيفة «ناشونال» اليومية التي تصدر في أبوظبي في آب (أغسطس) من العام الماضي، إن في أبو ظبي عاصمة الإمارات ألقي نحو 500 طن على الأقل من الطعام بشكل يومي خلال رمضان. وقال نادل في فندق خمس نجوم بدبي اكتفى بذكر اسمه الأول خشية أن يفقد وظيفته بينما كان يملأ الأطباق لموائد الإفطار، في الوقت الذي كان رجال الأعمال يتفقدون الموائد «الأكلات الساخنة والباردة. كل الأكلات على الموائد تلقى». وأضاف: «إذا طلب الناس توصيل الطعام إلى غرفهم نقدم طعاماً طازجاً مرة أخرى. لكن يتبقى الكثير من المخلفات». لكن خبراء التغذية في فنادق كبرى مثل ماريوت وهيلتون في دبي يقولون إنهم يعتزمون عدم الإلقاء بأي طعام، على رغم أن معدل إعداد الطعام يزيد بما يصل إلى 15 في المئة خلال رمضان. وقال مدير قسم الأغذية والمشروبات في سلسلة فنادق هيلتون وورلد وايد بالشرق الأوسط وأفريقيا سايمون لازاروس: «لدينا أنظمة رقابة تساعدنا في تجنب المخلفات». وأضاف: «حتى إذا كانت هناك بقايا صغيرة فإن العاملين سيأكلونها كلها. لا نعيد تدوير الطعام ولدينا سياسة صارمة لعدم القيام بذلك». وأثارت الزيادة الكبيرة في مخلفات الطعام خلال شهر رمضان انتقادات من علماء الدين الذين يقولون إن هذا يتنافى مع روح الصيام. وقال الشيخ مدثر صديقي وهو رجل دين مقيم في دبي: «إهدار نعمة الله مثل الطعام في وقت نرى فيه أناساً يتضورون جوعاً في إثيوبيا والصومال وأماكن أخرى، لا يتناسب مع فكرة الاعتدال في الإسلام. يقول الله في القرآن (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)». وأضاف: «يجب أن تخفض الفنادق كمية الطعام التي تقدمها. يجب ألا تكون المسألة مسألة استعراض، وجبات الإفطار في الفنادق يجب ألا تكون مخصصة للأثرياء فحسب بل للجميع خصوصاً الأقل ثراء وهناك الكثير منهم». ومن الكيانات التي تتطلع لمساعدة الفقراء والمحتاجين مشروع «حفظ النعمة» الذي تأسس عام 2004. ويجمع هذا المشروع الذي يتخذ من أبوظبي مقراً بواقي الطعام من التجمعات الكبرى مثل حفلات الزفاف والمآدب ووجبات الإفطار في الفنادق في عاصمة الإمارات لتوزيع الطعام السليم. وقال مدير المشروع سلطان الشحي ل«رويترز» إن المشروع يأمل بأن تمتد أنشطته في دبي وإمارات أخرى في وقت لاحق هذا العام.